Once Upon a Time in Hollywood: تحولات هوليوود بين واقعة حقيقية وأحداث خيالية
محمد كمال
تعد أفلام الويسترن (الغرب الأمريكي) الأكثر حبا للمخرج الشهير كوينتن تارنتينو سواء تنفيذه لها أو من خلال ولعه بها في حقبتي الخمسينيات والستينيات، في أحدث أفلام تارنتينو الذي يحمل الرقم 9 في مسيرته (حدث ذات مرة في هوليوود) يبدو أن العوان يحمل دلالات خاصة بمخرجه الأولى أن حقبتي الخمسينيات والستينيات هما بداية ولع تارنتينو بالسينما وشغفه لها خصوصا مع نوعية أفلام الويسترن التي سيطرت على السينما الأمريكية خلال تلك الفترة،
الثانية تشابه العنوان (حدث ذات مرة..) مع فيلمين للمخرج الإيطالي الراحل سيرجي ليوني (حدث ذات مرة في الغرب الأمريكي) 1968 و(حدث ذات مرة في أمريكا) 1984 والذي يعد أخر أفلامه الروائية، والذي يبدو أن أفلامه كانت صاحبة الشرارة الأولى لعشق تارنتينو للسينما فهو صاحب أكثر الأفلام شهرة وقتها (الطيب والشرس والقبيح) وتعاونه مع العديد من النجوم وقتها مثل كلينت إستوود، تشارلز برونسون وهنري فوندا، فأراد تارنتنيو تكريم أحد المخرجين الذين تأثر بهم ويبدو أيضا أن تارنتينو يسير على دربه من خلال تقديم عدد الأفلام فمسيرة ليوني سبعة أفلام فقط في عشرون عاما تقريبا، وأيضا تارنتينو فمنذ بدايته في نهاية الثمانينيات حتى الآن قدم تسعة أفلام فقط وصرح بأنه سيتوقف بعد الفيلم العاشر .
الدلالة الثالثة الخاصة بالمخرج أنه اختص هوليوود فقط ليقدم عنها فيلمه الذي تدور أحداثه عام 1969 في بداية التحول الإنتاجي الذي صاحب السينما الأمريكية من خلال التحول من أفلام الويسترن إلى الأفلام البوليسية وأفلام الجريمة المنظمة والأكشن، فترة التحول من السينما إلى التليفزيون الذي أصبح منافس قوي لها، فترة تحول أو عودة أمريكا للحروب بحجة حماية ديمقراطيتها (فيتنام)، فترة تحول ثقافي بظهور جماعة الهيبز والحركات الشبابية التي دعت للتمرد على الرأسمالية، تحولات كثيرة دخلت معها الولايات المتحدة حقبة السبعينيات الذي يعتقد الكثيرين من ضمنهم تارنتينو أنها فترة مكاشفة وهم الحلم الأمريكي .
استغل كوينتن تارنتينو واقعة حقيقية ومزجها بخيال سينمائي عبقري ليقدم من خلالها صورة ساخرة أحيانا عبثية لهوليوود حتى في ظل ولعه بتلك الفترة لكن يظل هذا التوهج يصل إلى الجمهور من خلال شاشات العرض فقط أو الإيرادات الكبيرة في شباك التذاكر، لكن الحقيقة خلف الكواليس مختلفة تماما فالحياة خارج نطاق الاستديو ليست مبهرة كما تظهر على السطح، فالواقعة الحقيقية التي بنى عليها تارنتينو فيلمه كانت مقتل الممثلة الأمريكية شارون تيت عام 1969 على يد منظمة ريتشارد مانسن، لكن المفاجأة أن تلك الجريمة لا تظهر نهائيا على الشاشة ومن لم يكن لديه معرفة سابقة عن الحادثة لن يكتشفها لأنها في الأحداث غير مؤثرة أو غير موجودة وهنا تكمن عظمة تارنتينو وقدرته على خلق تجربة ترتكز على واقعة لا تقع في الفيلم.
أما الخيال أو بمعنى أدق عن الفيلم فنجد شخصية ريك دالتون (ليوناردو دي كابريو) ممثل بزغ نجمه في فترة الخمسينيات من خلال أفلام الويسترن لكن في 1969 يشهد مرحلة خفتان وركود، وشخصية كليف بوث (براد بيت) وهو الدوبلير الخاص بدالتون وأصبح مساعده وسائقه، يحاول شوارز (أل باتشينو) وكيل دالتون إقناعه بالسفر إلى إيطاليا لتقديم أفلام الويسترن هناك لكن ريك يتردد ولا يرغب في البداية ثم سيقبل فيما بعد.
أما شارون تيت (مارجوت روبي) فهي زوجة المخرج البولندي (رومان بولانسكي) الذي بدأ الانطلاق في تلك الفترة ولمع اسمه كثيرا كما جاء على لسان ريك، وهما جيرانه لكنه لم يلتقي بهما مطلقا برغم رغبته في التعرف على بولانسكي والعمل معه، أما شارون التي حققت شهرة بسيطة من خلال ظهورها في فيلم (طاقم التحطيم) مع دين مارتن وقت ظهوره في فيلم تارنتينو عندما تذهب إلى السينما لمشاهة فيلمها وسط الجمهور للاستمتاع بتعليقاتهم وضحكاتهم.
منذ المشاهد الأولى وتبدو العلاقة بين ريك ودوبليره كليف أقرب إلى الصداقة برغم الاختلافات الشخصية بينهما لكنهما يشتركان معا في مسألة الخفتان وقلة العمل فريك بسبب ظروف تحولات الإنتاج أما كليف بسبب بعض مشاكله السابقة وسمعته السيئة التي اكتسبها بعد أن تسبب في مقتل زوجته وتبرئة المحكمة له.
كالعادة يقوم كليف بتوصيل ريك لموقع التصوير حيث وافق ريك على العمل في دور الشرير في أحد الأفلام حتى يساعده في استعادة مكانته مرة أخرى وتواجده على الساحة حتى وإن التزم بتحكمات المنتج والمخرج، أما كليف فهو لايعمل مع ريك في هذا الفيلم لأن المخرج وزوجته لا يرغبا في وجوده بسبب مواقف سابقة منها قيامه بضرب نجم الأكشن وقتها بروثلي.
وحين يفترق الثنائي ريك وكليف هنا يبدأ تارنتينو الجزء الأكبر في أحداث فيلمه حيث يدخل ريك مشاهد تصوير الفيلم أما كليف فيذهب برحلة بالسيارة يقدم تارنتينو من خلالهما النظرة المرتبكة لهوليوود في تلك الفترة بين الولع والانبهار من ناحية والحزن على تحولاتها من ناحية أخرى مستخدما أسلوب ساخر كوميدي
عاب هذا الجزء أمرين الأول الاستطراد والتطويل في بعض المشاهد الخاصة بتصوير فيلم ريك وأيضا المشاهد الخاصة باستديو جورج سبان، أما الثاني فهو الخاص بمشاهد الفلاش باك التي كانت مربكة جدا خصوصا وان المخرج لم يعطي أي مؤشرات ففجأة نجد أنفسنا نعود إلى الوراء قبل العودة من جديدة لكن هذا لا يمنع تفرد التجربة بشكل عام والانسياق التام وراء الأحداث برغم عدم احتوائها على حدث جل إلا في المشاهد الأخيرة فقط.
ما يميز تارنتينو على مستوى أفلامه إجادته التامة لقيادة ممثليه وهذا بالطبع ظهر جليا خصوصا مع موهبة ليوناردو دي كابريو الاستثنائية الذي أعتبره من أفضل الممثلين في تاريخ هوليوود وبشكل شخصي أصبح (نمبر وان) لدي متخطيا هانكس وبراندو ونيكلسون، دي كابريو برع في دور ريك المتردد الضعيف الباحث عن عودة نجوميته وشهد ذروة تألقه في مشهدين الأول مع الطفلة ترودي عندما سرد لها حكاية راعي البقر وكأنه يحكي عن نفسه، والمشهد الثاني أثناء تصويره الفيلم معها فبعد نهايته وإظهار مشاعر متضاربة بين الفرح على أدائه والحزن على الحالة العامة التي وصل لها.
أما دور كليف بوث يعد من أفضل الأدوار القليلة لبراد بيت التي لا تتعدى أصابع اليد الواحدة فهنا نجده في قمة تألقه وأدائه الهادئ المميز، اجتهدت الموهوبة مارجوت روبي في تقديم دور شارون تيت لكن مساحة الدور لم تسمح بإخراج موهبتها بشكل كبير لكن يبدو أنها متعة العمل مع تارنتينو.
قد نتفق أو نختلف مع (حدث ذات مرة في هوليوود) لكن المؤكد أنه أكثر فيلم أمريكي برع في إظهار صورة عصر سابق (الستينيات) بكل تفاصيله الدقيقة سواء في الخلفية البصرية (الشوارع، السيارات، المنازل، الملابس، الإكسسوارات، أفيشات الأفلام) أو على شريط الصوت (الأغاني والبرامج الإذاعية والإعلانات) ودعمه بمشاهد قديمة لأفلام تلك المرحلة، فيلم مختلف عن ما قدم تارنتينو من قبل بعيدا عن القتل والدم والعنف لهذا فمن الصعب على محبيه تقبله بسهولة وقد لايكون الأفضل لتارنتينو لكنه تجربة خاصة من المزج بين واقعة حقيقة وأحداث خيالية حول تحولات هوليوود .. تحولات أمريكا.