نقد

2019.. كثير من الإيرادات قليل من السينما

 

أزمة حادة رغم "ملايين الشباك" ولا حل سوى تعديل التشريعات وتخفيض الضرائب والرسوم وتخفيف القيود على التصوير الخارجي

 

أسامة عبد الفتاح

 

إذا كانت السينما المصرية قد حققت أعلى إيرادات في تاريخها عام ٢٠١٩، الذي نودعه اليوم الثلاثاء، فلا شك أن هذا العام كان من بين الأسوأ في تاريخها أيضا، ليس فقط من حيث الإنتاج، ولكن أيضا من حيث المستوى والتواجد والتأثير.

 

ولا أقصد بالإنتاج "الكم" فقط، ولكن "الكيف" أيضا، والأهم: التنوع، سواء على مستوى الأشخاص الذين تتاح لهم فرص الإنتاج، أو على مستوى الموضوعات نفسها، وكلاهما لا يحظى بأي تنوع.. فالموضوعات لا تخرج عن الأكشن والكوميدي مع بعض الاستثناءات بالطبع، ومن تتاح لهم الفرص يحصلون على المزيد منها، وعلى المزيد من قطع كعكة السوق، مهما كان مستوى أو قيمة ما يقدمون، في حين تتراكم مشروعات عشرات الجادين والمتميزين في أدراج المكاتب وفي أجهزة الكمبيوتر دون أن تجد من يساعدها على الخروج للنور.

 

يقف جميع العاملين بالسينما المصرية، وجميع من يتابعون شئونها وأحوالها، على حجم الأزمة الحادة التي تمر بها رغم ما يبدو من ملايين الشباك، والتي وصلت – أي الأزمة – إلى حد أن تكتب مخرجة مهمة ومعروفة وحاصلة على جوائز دولية على موقع للتواصل الاجتماعي متسائلة عن سبب فشلها، منذ عدة سنوات، في الحصول على تمويل لمشروع فيلمها الجديد رغم المميزات والمؤهلات التي تتمتع بها، ورغم حصول السيناريو الذي تريد تنفيذه، هو الآخر، على العديد من الجوائز.

 

كما صرح سيناريست مهم مثل وحيد حامد، قبل أيام، بأن السيناريوهات أصبحت تذهب للرقابة ولا تعود، وأنه انتهى من كتابة فيلمين لا يعرف مصيرهما حتى الآن.. ومع يحدث مع حامد والمخرجة المذكورة يحدث مع غيرهما ممن لا يكتبون ولا يتكلمون، وكأنه من المطلوب ألا تعمل في السينما المصرية سوى أسماء بعينها في أطر بعينها تتناول موضوعات بعينها.

 

شخصيا، أعرف عشرات السينمائيين الموهوبين الذين "يجلسون في بيوتهم" منذ سنوات، ليس لأنهم بلا مؤهلات أو كسالى ولكن لانعدام الفرص في سوق ظالمة ومختلة لا تضر بهم فقط بل تضرب السينما المصرية نفسها في مقتل.. وقد تابعنا جميعا كيف عجزت جميع المهرجانات السينمائية المصرية، هذا العام، عن العثور على أفلام روائية مصرية طويلة تصلح للعرض في مسابقاتها الدولية الرسمية، وأصبحت مسألة إقامة المهرجانات المصرية أصلا محل تساؤل وتعجب لأننا من المفترض أن نقيمها لدعم وتسويق الأفلام المصرية والترويج لها، فماذا تكون فائدتها إذا لم تكن هذه الأفلام موجودة؟

 

كما تابعنا غياب الأفلام المصرية عن المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى – بعكس سنوات قريبة سابقة – مع بعض الاستثناءات القليلة جدا.. وفي نفس الإطار، لمست – بحكم عضويتي في لجنة اختيار ممثل مصر في مسابقة أوسكار أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية – صعوبة الاستقرار على فيلم يصلح للمهمة ويصمد للمنافسة مع التحف القادمة من شتى بقاع العالم.

 

وبعيدا عن الأفلام التي تحتاج إلى تمويل، أيا كان حجمه، بحكم موضوعاتها، فالأزمة تمتد إلى الأفلام التي لا تحتاج إلى تمويل يُذكر، والتي يمكن أن يصورها الشباب بكاميرات ديجيتال بسيطة أو حتى بكاميرات تليفوناتهم المحمولة، وذلك بسبب القيود المفروضة على التصوير في الشوارع والرسوم المبالغ فيها لدى التصوير في المواقع السياحية وغيرها.

 

السينما المصرية في أزمة حادة بلا شك ولا جدال، ولا يكفي "ماكياج" الإيرادات الكبيرة لبعض الأفلام التجارية في تجميلها أو مداراتها، ولا سبيل للخروج منها إلا بتحرك الدولة لدعم الصناعة –دعمها فقط وليس إنتاج الأفلام– وتعديل تشريعاتها وحماية مبدعيها والالتفات للمطالب التي بُح صوت السينمائيين من ترديدها لسنوات طويلة، ومنها تخفيف عبء الضرائب والرسوم عن كاهلهم، وتخفيف القيود على التصوير الخارجي، والمساعدة على ما تحتاجه بنية السينما الأساسية من معدات ودور عرض سواء بالقوانين المشجعة أو بتخفيض قيود الاستيراد والتراخيص أو بحمايتها من أخطار القرصنة الإلكترونية.

 

فالقانون المنظم للسينما تمت صياغته سنة 1940، أي في عهد الملكية ولم يتم تعديله أو إعادة صياغته حتى الآن.. مع الاهتمام بالطبع بزيادة دور العرض ودراسة توزيعها على مختلف المحافظات المصرية مع وضع المدن المحرومة –وما أكثرها– في عين الاعتبار بمنح الإعفاءات الضريبية وتقديم الأراضي الصالحة بأسعار مناسبة أو بلا مقابل في الأماكن النائية.

 

لا يصح، بعد مرور عقد كامل من القرن الحادي والعشرين، أن تظل محافظات كاملة بلا دار عرض واحدة، وأن يتم هدم دور العرض الموجودة لتتحول إلى قاعات أفراح!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى