نقد

1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

محمد كمال

يرتبط الإعجاب بأفلام الحروب بعاملين الأول الإبهار البصري في استخدام التكنيك الحديث والثاني البعد الإنساني الذي يتعلق بالآثار النفسية التي سببتها تلك الحروب على الشخصيات، وبعد مشاهدة فيلم "1917" للمخرج سام ميندز هناك سؤالين.. هل يستحق بالفعل الحصول على جائزة "جولدن جلوب" لأفضل فيلم، وأفضليته في الترشح لنفس الجائزة في "أوسكار"؟ إن لم يكن الفيلم ظهر وكأنه "لقطة واحدة" هل كان سيحصل على نفس الإشادات؟

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

 بالنسبة للتساؤل الأول فهو مرتبط بوجهات نظر أخرى وطرق اختيار وتدوين الحاصل على تلك الجوائز، أما السؤال الثاني ففي رأيي المتواضع أن اختيار المخرج لتصوير فيلمه بهذه الكيفية ساهم بجزء كبير في نجاحه فإذا تم تصويره بطريقة معتادة لم يكن ليحصل على كل هذه الإشادات ، وفيلم ميندز ظهر كلقطة واحدة لكنه في حقيقة الأمر لم يكن كذلك فقد استخدم المخرج طرق مبتكرة لإخفاء القطع في المشاهد، وطريقة تصوير فيلم كامل كأنه لقطة واحدة ليست جديدة ومؤخرا ظهرت أفلاما صورت هكذا صحيح ليست كثيرة لكن أهمها بالطبع رائعة المكسيكي أليخاندرو إيناريتو "بيردمان" في 2014 التي كان بطلها مايكل كيتون.

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

خلال الأعوام الأخيرة طرح فيلمين عن حادثة واحدة وهي حادثة جزيرة أوتويا في النرويج التي وقعت يوم 22 يوليو 2011 والتي تعد أكبر عملية إرهابية في العصر الحديث وراح ضحيتها 72 من شباب الحزب الطليعي هناك على يد شاب من اليمين المتطرف، في عام 2017 أطل علينا المخرج الإنجليزي الكبير بول جرينجراس بفيلمه "22 يوليو" وبعده بعام ظهر الفيلم النرويجي "أوتويا 22 يوليو" للمخرج إريك بوبي.

 

 كان هناك فارق في التناول بين الفيلمين برغم تشابه الحدث فجرينجراس أولى اهتماما أكثر بالآثار الجانبية التي سببها الحادث على مستوى الضحايا والمحامي والإعلام والرأي العام والحكومة وأيضا من وجهة نظر الجاني، أما بوبي فقد صنع فيلمه في 72 دقيقة وهي المدة الحقيقية للحادث وقام بتصويره لقطة واحدة فقد ارتكز على الضحايا فقط سواء الذين سقطوا أو محاولات بعضهم للهرب والاختباء ولم يظهر الجاني مطلقا.

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

كان لدى المخرج النرويجي إريك بوبي رغبة في أن يجعل تلك الحادثة هي محور أحداث فيلمه حتى يعطي لها الأهمية التي تستحقها، وكانت نفس الرغبة لدى سام ميندز في فيلمه "1917" فقد أراد أن يثقل الحدث ويقوم بتعظيم العملية ويعطيها دفعة قوية خلال الدراما التي قدمها من خلال اعتماده على اللقطات الطويلة ليجعل المشاهد يعتقد أن الفيلم لقطة واحدة، ونجح ميندز إلى حد كبير في بلورة العملية وإعطائها أهمية قصوى بالطريقة التي اختارها للتصوير في لقطات طويلة تكون فيها الكاميرا وأداء الممثلين هما بطلي العمل، ونجح في أن يجعل المشاهد في حالة متابعة ومعايشة مع العملية.

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

فيلم 1917 مأخوذ من حكايات جد المخرج سام ميندز الذي شارك في الحرب، وتدور الأحداث يوم 6 إبريل 1917 أثناء الحرب العالمية الأولى حيث يتم تكليف الجنديين سكوفيلد وبليك بتوصيل رسالة مكتوبة من القائد إلى اللواء ماكنزي قائد إحدى وحدات الجيش الإنجليزي تجبرهم على عدم التقدم لمواجهة الجيش الألماني لأن العدو انسحب من مواقعه ليعد مكيدة للإنجليز في عملية تمويه ليتقدم الجيش الإنجليزي وتتم محاصرته.

 

 اختيار بليك لهذه المهمة كان لسببين الأول معرفته بقراءة خرائط الطرق والثاني تواجد شقيقه الأكبر ضمن أفراد تلك الوحدة، ويتم التنبيه على الثنائي سكوفيلد وبيلك بالحذر الشديد لأن المهمة في وسط تمركز الألمان حتى وان تركوا مواقعهم والمهمة سيشارك فيها الثنائي فقط وسيتجهون سيرا على الأقدام، وتوصيل الرسالة قبل بدء عملية توغل الإنجليز في الفجر.

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

حقق ميندز عامل الإبهار البصري من خلال جنوحه للقطات الطويلة الذي أعطى ثقلا أكبر للفيلم تفادى به مستوى السيناريو المتوسط الذي لم يقترب من بطلي الفيلم إنسانيا ولم يقدم أي نبذة عن حياتهما، عائلتهما، رؤيتهما للحرب، أحلامهما بعد الحرب، مشاعرهما تجاه العدو.. إلخ.

 

اكتفى ميندز بأن يجعل المشاهد داخل إطار الأحداث لكن من الخارج بعوامل ليست هي الأساسية في مكونات أي فيلم، فقد اهتم بتمييز حركة الكاميرا ولقطاته الطويلة التي ركز ان تكون كبيرة ومتوسطة الحجم لإظهار الخنادق وتمركز الجنود داخلها، والممرات الطويلة التي ينتقل خلاها الجنود، القذائف التي تنهال وأصوات دوي الانفجارات، أشلاء الجثث المنتشرة في كل مكان، الفئران والطيور القارضة وهي تنهش الجثث كلها تفاصيل جيدة لكنها مكملة وليست هي الأساس.

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

حتى محاولات ميندز لإضفاء جوانب إنسانية للفيلم لكم تكن موفقة أو موظفة دراميا لا من خلال توطد العلاقة بين سكوفيلد وبليك أو من خلال مشهد سكوفيلد في منزل الفتاة الفرنسية الذي جاء مقحما على الأحداث بشكل مفتعل جدا، وحتى المشهد الأخير عند لقاء سكوفيلد بشقيق زميله بليك افتقد المشهد للمشاعر الإنسانية الحقيقية لأنها لم تظهر خلال الأحداث فمن الطبيعي ألا تظهر فجأة.

 

بعد مقتل بليك "أحد بطلي القصة" ينهار الفيلم تماما ويتحول إلى تجربة أقرب إلى أفلام الحركة التجارية، فالمطاردات كانت سطحية وهروب سكوفيلد من طلقات الجنود الألمان رغم قربهم الشديد منه كانت بعيدة من المنطق التي نشاهدها في أفلام الأبطال الخارقين وبالطبع نجح سكوفيلد في توصيل الرسالة وإنقاذ جيشه من الهلاك في اللحظات الأخيرة، حتى مشهد مقتل بليك نفسه جاء ساذجا دراميا وضعيف على مستوى التنفيذ.

 

أويما 20 - Uima20 | 1917: إبهار بصري على حساب المضمون

 

تفوق ميندز ومدير التصوير روجر ديكنز من خلال الصورة المبهرة في لحظات متفرقة لكن ليس على مستوى المنتج النهائي، فالفيلم يحتوي على لقطات يمكن أن نقف عندها من قوتها مثل لقطة سقوط الطائرة، ولقطة ركض سكوفيلد وراء خطوط جيشه حتى يصل للقائد ويمنع التوغل وتعد هذه اللقطة هي الأفضل على مستوى الأحداث لأنها الأصعب على مستوى التنفيذ، فقد ظلت الكاميرا تتحرك بسرعة مع سكوفيلد وهو يجري بسرعة ويصطدم بزملائه ويقع، فيقف مرة أخرى ويستمر حوله نيران المدافع وأصوات القذائف.

 

1917 مبهر في صورته وبعض لقطاته، متفوق في حركة الكاميرا، متميز في تصميم الإنتاج والديكورات، درس في حركات المجاميع لكن كل هذا جاء على حساب المضمون الإنساني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى