نقد

Psycho  لهيتشكوك.. ملحمة الذنب

 

علي الضو

 

عيناها الغارقتان بقطرات الماء المنسابة فيما يشبه انهمار الدموع، نظرتها الثابتة المصوبة تجاه الكاميرا، تدليها وفمها نصف المفتوح بعد ملحمة من الصراخ المتواصل دون مجيب، كان تعبير هيتشكوك عن فكرة "الذنب" في مشهد "الحمام" الشهير من رائعته الخالدة "1960 Psycho" واضحًا وقوياً ومكثفاً ومتماشياً مع إيقاع الفيلم الذي مثل فيه مشهد "الحمام" ذروة درامية ومنعرج انقلبت فيه الموازين.

 

الرقص على حبال "الخطيئة"

 

يعتبر مفهوم "الذنب" المستمد من التراث الديني خطًا موازيًا متناغمًا مع أحداث الفيلم يتجلى في خلفيتها طوال الوقت ويعبر عن نفسه بمختلف السبل.

 

في اللقطة التي تسبق سقوطها ترفع "ماريون" ذراعها للأمام فيما يشبه طلب المساعدة من المشاهد الجالس خلف الشاشة كي تضرب قلبه بشعور "الذنب" وتأجج في نفسه تعاطفًا معها افتقدته منذ بداية الأحداث ولكن الحاجة إليه ستكون ضرورية فيما بعد.

 

أويما 20 - Uima20 | Psycho  لهيتشكوك.. ملحمة الذنب

 

في بداية الفيلم ندخل "عالم ماريون" عن طريق التلصص عليها عبر نافذة شبه مغلقة لنجدها تمارس الحب في الخفاء مع صديقها فيما كان يعتبر خروجاً عن التقاليد وقتها كما يشير الحوار، هكذا يقدم لنا هيتشكوك بطلته كـ"مذنبة" يدفعها ذنب خفي غير مكتشف نحو ذنب أخر أكبر سرعان ما يكتشف وهو السرقة، عند الوصول إلى تلك المرحلة يبدأ مفهوم الذنب بالتشعب.

 

 

فالمسألة لم تعد تقتصر على الذنب كخطيئة بل تطورت لتشمل الشعور فيما تجلي في مشهد الهروب خارج المدينة عبر تلك الهواجس والخيالات التي كانت تتصارع داخل نفس الفتاة وتجلت على الشاشة على هيئة أصوات نابعة من عقل ماريون تتخيل فيها ردود أفعال رئيسها في العمل وآخرون حول ما ارتكبته من جرم ثم تجلي بشكل أقوي في القلق والريبة اللذان تلبساها طوال الوقت وجعلاها محطًا للشكوك ولم تتخلص منهما إلا عند وصولها للنزل وشعورها ببعض الأمان.

 

أويما 20 - Uima20 | Psycho  لهيتشكوك.. ملحمة الذنب

 

الانزلاق الهادئ صوب الذروة

 

قبل مشهد "الحمام" بقليل نري الفتي "نورمان" ذاك الخجول الوحيد الذي تحمل قسماته سمات البراءة والنقاء ينتزع راية "الذنب" من بطلتنا في لقطة التلصص الشهيرة، في تلك اللحظة تقاسم دور مرتكب "الخطيئة" أكثر من طرف لكن يبقي العبء الأكبر علي ماريون لارتكابها الخطيئة الأكبر حتي هذه اللحظة، لذلك كان مشهد "الحمام" بما حمله من رسالة بصرية موجهة مباشرة للمشاهد ضرورياً للغاية لإكسابها تعاطف الجمهور من ناحية خصوصاً بعدما حدث من إخفاء للجثة علي يد نورمان الذي أضحي "المذنب" الأكبر إلي جانب "أمه" القاتلة في تلك اللحظة وتماديهما في "الذنب" فيما تلي ذلك من أحداث، ومن ناحية أخري جعل حماسة المشاهد مشتعلة لاكتشاف الحقيقة حتي يتخلص من عبء "الذنب" الذي حملته الفتاة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.

 

أويما 20 - Uima20 | Psycho  لهيتشكوك.. ملحمة الذنب

 

دوامة متعددة الأبعاد

في المشهد الأخير وبعد اكتشافنا لحقيقة مرض "نورمان" الذي نتج عن شعور بالـ"ذنب" تجاه والدته بعد قتله لها نجد أنفسنا أمام تكرار لدوامة الذنب والتعاطف تجاه الفتي المريض كالتي حدثت مع ماريون الضحية، المساحة الفارغة التي يجلس فيها الفتي والتي تعكس مدي وحدته، سكونه ووضعية الانكماش التي تدل على مدى ضعفه وهزيمته، اقتراب الكاميرا بالتدريج أكثر فأكثر من وجهه البريء المصحوب بكلمات الأم التي تنم عن سيطرتها التامة علي عقل الفتي والذي يزيد التعاطف معه أكثر ويشعر المشاهد بمدي ظلمه للفتي المسكين.

 

ثم تلك اللعبة المونتاجية الكلاسيكية التي لم تستمر إلا لثوان معدودة اجتمع فيها وجه الفتي مبتسماً مع جمجمة والدته وعملية انتشال جثة الفتاة لتؤكد على سيطرة شخصية الأم، كل تلك العوامل دفعت المشاهد دفعاً نحو التعاطف مع الفتي وإلقاء بثقل "الذنب" على كاهل شخصية الأم المتسلطة الدموية الشريرة كما تعرفنا عليها من خلال السياق الدرامي.

 

أويما 20 - Uima20 | Psycho  لهيتشكوك.. ملحمة الذنب

 

حسناً، ما النتيجة التي قد نستخلصها في النهاية؟!

 

لا نملك إجابة محددة لهذا السؤال لكن لو وضعنا هذه النظرة ضمن سياق ما قيل عن "ذاتية" سينما هيتشكوك ومدي انعكاس تجربته الشخصية –القاسية في العديد من جوانبها- على أعماله.

 

يروي هيتشكوك قصة معروفة عن طفولته مفادها أنه كان دائم التردد على مخفر الشرطة بناء على رغبة والده الذي كان يطلب من المسئولين هناك احتجازه لمدد قصيرة كعقاب له على ما أقترفه من أخطاء وأعمال سيئة.

 

قد نري في Psycho مرآة ناصعة تعكس لنا مدي تأثر هيتشكوك الدفين بالثقافة الدينية وبتربيته الصارمة، حتى وإن لم يتعمد ذلك فقد قدم للمشاهد دراما شيقة حول عظم "الذنب" وما قد يفعله بحياة البشر.

 

أويما 20 - Uima20 | Psycho  لهيتشكوك.. ملحمة الذنب

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى