أسامة أنور عكاشة.. فن النمطية والتركيبة المكررة
عمرو شاهين
لماذا يجب أن يكون المبدع إما أو، بمعنى لماذا يجب أن يكون عظيما أو لا شيء؟ الإجابة لأن هذا يسهل على المتلقي/ الناقد ويرفع عن كاهله عبء التدقيق والتمحيص في العمل الفني أو المشروع الفني كما يجب، وأحيانا يرفع عن كاهله عبء التصادم مع رأي الأغلبية، أسامة أنور عكاشة بالفعل كاتب درامي فذ ولكن له العديد من الأخطاء قد يرتقي بعضها إلى حد الخطايا، والتي يمكن إيجازها ببساطة في مصطلح (التركيبة المكررة).
الثلاثي والثالوث
في الثمانينات والتسعينات سيطر على الدراما في مصر ثلاثة أسماء اشتركوا فقط في كونهم يوقعون أعمالهم بأسمائهم الثلاثية وتوزعت الدراما بينهم، فكان نصيب محمد صفاء عامر الدراما الصعيدية، بينما استولى محمد جلال عبدالقوي على الدراما الريفية وبعض من دراما الطبقة المتوسطة، أما دراما المدن والحواري سواء في القاهرة أو الإسكندرية فكانت من نصيب أسامة أنور عكاشة.
ولعل أهم ما ساهم في بروز اسم عكاشة، هو فرق المستوى الفني بينه وبين نظيريه عامر وعبدالقوي، فكان لأسامة الحضور الجماهيري الأقوى والقيمة الفنية الأعلى بين الثلاثي، وهذا ما جعل الكثيرين يلقبونه بنبي الدراما أو سيد الدراما، ولكن هل كان أسامة أنور عكاشة سيدا للدراما بالفعل؟
بالطبع شاهدت أعمال عكاشة وانا طفل وثم وأنا شاب والآن دائما ما أعيد مشاهدة العديد من أعماله، لأجد أن أسامه أنور عكاشة شخصيات ثابته تتكرر وتيمات مقررة علينا كمنهج دراسي، ورؤية واحدة للحارة والمدينة لا تتغير أو تختلف.
الجدعنة والشهامة لابد أن تكون حاضر في مسلسلات أسامة أنور عكاشة، لابد ان يكون أحد أبناء البلد / الحارة جدع وشهم، ويشبه أحمد السقا، كلامه ميزان وسيف على الرقاب، سترى هذا النمط بوضوح في كل مسلسلات عكاشة التي دارت داخل المدن، الشهد والدموع، ليالي الحلمية، أميرة في عابدين، زيزينيا، كناريا وشركاه وغيرها.
البطل والشرير والحب
حارة أسامة أنور عكاشة هي حارة نموذجية، حارة خيالية، يحكمها خياله هو وتصوره عن الحارة المثالية، حتى في شرها فهو شر مثالي كما يكون الشرير، سترى أن “سامبو” في أرابيسك يتشابه مع “دحه الطلياني” في عفاريت السيالة، والاثنان يتشابهان مع “سباعي” في زيزينيا، ومع غيرهم من أشرار عالم عكاشة، نفس التركيبة من الجبن والخوف والطمع والنذالة واستغلال الظروف والضرب من الضهر، وستجد تلك التركيبة في كافة أشرار عكاشة حتى في أفلامه السينمائية القليلة ولعل أبرزهم “فرج الأكتع” في كتيبة الإعدام.
وإذا كان الشرير في دراما عكاشة موحد، فالبطل أيضا موحد، فهو نمطين لا ثالث لهما، المثالي الرافض لكل ما حوله من سوقيه مثل “مفيد أبوالغار” في الراية البيضاء و”أبوالعلا البشري”، أو التائه الحائر الذي لا يجد مرسى يقف فيه مثل “حسن النعماني” و”بشر عامر عبدالظاهر”.
وكلا البطلين يدافعان عن نفس الشيء ويسألان نفس الأسئلة سواء كان مثالي أو حائر فهو يبحث عن الهوية، وليس غريب على مؤلف كل ما كان يفعله هو البحث عن الهوية، سواء بالغوص تاريخيا مثل ليالي الحلمية وزيزينيا، أو بالحاضر مثل أرابيسك وامرأة من زمن الحب، هو مهووس بالتحقيق حول الهوية المصرية، وهذا جزء من تركيبته المكررة.
حتى الحب في مسلسلات أسامة أنور عكاشة لم يسلم من النمطية، فدائما ما ترى أن قصص الحب يعيش أحد أبطالها في حاله لنكران ورفض تلك المشاعر وفي الغالب لا تنتهي قصة الحب تلك أبدا نهاية سعيدة، فعلى سبيل المثال تأمل قصة حب أمل وهشام أنيس في الراية البيضاء، وتأمل قصة حب الطوبجي ونعيمة مرسال في زيزينيا، وتأمل قصة حب بشر وعايدة، وقصة حب رفاعي وبياضة في زيزينيا، وغيرها من قصص الحب المستحيلة النمطية للغاية في مسلسلات أسامة أنور عكاشة.
بنظرة متفحصة لمسلسلات عكاشة ستجد أنه يكرر بالحرف نفس الأنماط والتركيبات في كل مسلسل، أو بمعنى أكثر دقه تكرار الأساسيات في الشخصيات، وكأنها استامبة موحدة، يمشي بها عكاشة في معظم أعماله، ولم يفلت منها إلا أقل القليل.
في رأيي أن تعلقنا الكبير بأسامة أنور عكاشة ليس بسبب قدرته على البناء الدرامي أو بناء الشخصيات، أو حتى الحوار المتأرجح بين الممتاز والرديء، ولكن نحن نحب مصر التي يسوغها أنور عكاشة، نحب تلك الحارة وتلك المدينة، فهو يداعب ذلك المثالي الكامن فينا، يحي ذلك الصوت الذي يقول (فين زمان وأيام زمان).
لكن دراميا لم يكن يوما أسامة أنور عكاشة كاتبا متجددا، فهو يهوى التكرار والنمطية، بشكل مخيف، وجرب يوما أن تضع حسن أرابيسك مكان سيد كناريا أو مكان بشر عامر، بمعطيات كل شخصية، وسترى أن الشخصيات ستتخذ نفس المسارات وستنتهي لنفس المصائر لأنها شخصية واحدة يعاد تدويرها.