”الرجل الذي باع ظهره” ما بين المتعة وخيبة الأمل
فؤاد زويريق
خرجت قبل قليل من عرض الفيلم التونسي ”الرجل الذي باع ظهره” وهو من إخراج المخرجة الطموحة كوثر بن هنية، انطباعي الأولي عن الفيلم قد يُحصر بين المتعة وخيبة الأمل، فالفيلم خلق حالة من النقاش والجدل الصحي منذ بداية تداوله في أهم المهرجانات العالمية إلى اختياره في القائمة القصيرة الخاصة بالأوسكار.
استلهم الفيلم فكرته من عمل حقيقي للفنان ديلفوي البلجيكي الذي استعمل ظهر شخص يدعى تيم ونقش عليه وشما فنيا، ليتحول بذلك إلى لوحة متنقلة بين المعارض، هي نفسها الفكرة تقريبا لكن الاختلاف في الفيلم يكمن في اعتماد القضية السورية كأساس أو كمحطة عبور لتبرير بُنية أحداثه، فالبطل سوري يدعى سام يعيش في سوريا وبسبب ما تعيشه من أحداث يقبض عليه، تتاح له فرصة الهرب من مخفر الشرطة فيقرر بعدها مغادرة البلاد إلى لبنان، يلتقي بفنان بلجيكي معروف متخصص في الوشم اسمه غودفروي ومساعدته ثريا التي شخصتها النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشي يعرضان عليه استغلال ظهره كلوحة مقابل الهجرة إلى بلجيكا.
في المقابل هناك حبيبته التي يعيش معها قصة حب، وهي بدورها تتعرض لضغوط من طرف أسرتها للزواج من ديبلوماسي سوري يقيم في بلجيكا كي تهاجر معه هروبا مما يحدث في بلدها، يتفرقان، يهربان من واقعهما كل واحد بطريقته ثم يلتقيان مجددا في بلجيكا، لكن خروجهما من العالم الضيق الذي كان يجمعهما، يجعلهما يصطدمان بالعالم الأوسع المفتوح أكثر على دراما إنسانية أكثر بؤسا وألما، فالأرض التي تركاها خلفهما مأساتها واضحة والصراع فيها بيِّن ومعروف لكن في عالمهما الجديد تختبئ مأساته خلف الفن والحضارة ومساحيق التجميل، إذ تعرضا لما هو أبشع.
سام الذي باع ظهره أصبح مجرد لوحة تتناقلها المعارض، ليتحول بعدها لعبد يشترى ويباع في مزادات خاصة بمقتنيي التحف الفنية، شعور جعله يحتقر نفسه رغم حياة الرفاهية التي يعيشها، أما حبيبته فشعرت أيضا بأنها باعت نفسها لرجل لا تحبه من أجل الهجرة، يتخلص سام بمساعدة الفنان الذي اشترى ظهره أول مرة من حياة العبودية التي يعيشها، وكذا حبيبته ليصبحا أحرارا ويعودا إلى الأرض التي هاجرا منها أول مرة/سوريا.
هذه هي قصة الفيلم باختصار، البداية كانت ممتعة من ناحية السرد لكن عقدها انفرط مع تصاعد الأحداث، وتحول الفيلم في جزئه الأخير إلى مجموعة من المواقف المبعثرة غير متناسقة وغير منطقية، بسبب ضعف حبكته وحواره وكثرة الثغرات في البناء الدرامي، وكأن المخرجة اختارت أسهل الطرق للوصول إلى خط النهاية دون اجتهاد ملموس يجعل الرؤية متكاملة من الأول إلى الآخر. ففكرة الفيلم وقصته والمجهود المبذول في باقي عناصره يستحقون عمقا وتناسقا أكثر جدية مما شاهدناه، لكن رغم ذلك يبقى الفيلم عملا سينمائيا مقبولا إلى حد ما بسبب فكرته وموضوعه ويستحق المشاهدة والمتابعة النقدية.
أما بالنسبة لما شدني أكثر وأثارني وأعطى للفيلم دفعة إبداعية غطت نسبيا على ما ذكرته من نقط ضعفه، فهو التصوير الذي تكلف به فنان سبق وأن تألق في فيلم كفرناحوم للمخرجة نادين لبكي وهو اللبناني كريستوفر عون مدير التصوير، فقد جمع بصريا بين روعة الفن/اللوحات، والمكان/المعارض، والجسد/جسد سام، فبالاستخدام الذكي للضوء والظل والزوايا… وضعنا جماليا داخل مشاهد متعددة المعاني تتأرجح ما بين البؤس الإنساني والمتعة الفنية.
أما الموسيقى التصويرية فتعود لواحد من المبدعين الموسيقيين العرب في هذا المجال الذين أحب موسيقاهم شخصيا وأجدها أكثر عمقا وإحساسا بكل تفصيلة درامية تخص أعمالهم بكل تلاوينها، وهو المبدع التونسي أمين بوحافة الذي ترك بصمته موشومة على العديد من الأعمال العربية كمسلسل أهو ده اللي صار وجراند أوتيل وونوس والسيدة الأولى وفيلم كازابلانكا والبحث عن أم كلثوم وغيرها من الأعمال التي تميز فيها بحق، في هذا الفيلم جعل أمين بوحافة جمالياته البصرية تتناغم مع جمالياته السمعية لتكون الموسيقى جزءا من الرؤية الفكرية والإنسانية التي اعتمد عليها، لتشعر وكأنه يشرح لك الأحداث ويعكس مفرداتها بنوتاته.
التشخيص كان قويا ومتميزا من طرف الممثل السوري الكندي يحيى محايني الذي تألق في دور سام بطل الفيلم، وكذا ديا ليان التي أدت دور عبير حبيبته، أما خيبة الأمل الكبيرة فتمثلت في النجمة الإيطالية مونيكا بيلوتشي التي كان تشخيصها لا يرقى أبدا إلى ما عهدناه منها ولا يعكس مسارها الفني، فبدا في هذا العمل وهو بالمناسبة أول عمل عربي لها، ضعيفا للغاية وغير مقنع بالمرة خصوصا في المشاهد التي جمعتها ببطل الفيلم الذي بدا أمامها أكثر حيويا واحترافا.