عمرو شاهين
كان غريب جدا على مسلسل فقير على مستوى الصورة إنه ينجح النجاح العابر للأجيال ده! والأغرب هو التعلق الحميمي بيه وبموسيقته وبأحداثه وشخصياته وعالمه كله، ومن كتر انتشاره وتأثيره بقى مادة خصبة للسخرية والإفيهات، وأصبح مستر حاج عبدالغفور جزء رئيسي في حياتنا.
المسلسل اللي كان ممكن يعدي زي كل المسلسلات وبطله نور الشريف عمله علشان يعمل منطقة عازلة في حياته الفنية بين دورين دور عمر ابن العزيز ودور هارون الرشيد، اتحول لأيقونه واتشهر أكتر من المسلسلين دول.
لن أعيش في جلباب أبي مبقاش مجرد مسلسل ده بقى حبل موصول بين 3 أجيال يقدروا يتناقشا مع بعض فيه ويضحكوا على نكت بعض فيه، وده صدق أو لا تصدق حاجة صعبة جدا، فليه بقى لن أعيش في جلباب أبي نجح النجاح الباهر ده؟؟
تعالوا نشوف
في البداية الحكاية، ما هو أصل مفيش دراما من غير حواديت، فإحنا قدام حكاية فيها 3 تيمات درامية بيحبها الشعب المصري وبيقدرها زي عينيه.
التيمة الأولى رحلة صعود
المسلسل بيبتدي وإحنا بنتابع رحلة صعود عبدالغفور البرعي من القاع للقمة بكل ما فيها من عصامية وشقا وشرف ونزاهة واتباع للأصول والتقاليد، كأننا أخيرا بنشوف رأسمالية وطنية بجد وزي ما قال نور الشريف نفسه في لقاء إن أخيرًا الناس شافت نموذج إيجابي للرجل الغني، بعد الأعمال الكتير اللي كانت بتنقد الانفتاح الاقتصادي وأثره، وازاى في فاسدين استفادوا منه.
يجي عبدالغفور البرعي يطلع سلم الثراء والمجد واحدة واحدة، بخطوات بنشوفها على الشاشة وبنقبلها وبنصدقها لانها منطقية، وبنبتدي نتعلق بعبدالغفور الذكي اللي قدر بذكاء وشطارة وبعض من الفهلوة الإيجابية إنه يعمل ثروته، وإزاى قدر يستغل أعراف السوق لصالحه زي إشاعة إنه لقى كنز مثلا.
وخلينا منصفين إن دي أصعب حاجة في الحكاية كلها، ما هو المشاهد لو ما اتعلقش بعبد الغفور البرعي وفاطمة مش هيكمل معاهم المسلسل، وهيمر مرور الكرام، وعلشان الجزء ده يبقى قوي ومسنود كان لازم نضيف التيمة التانية اللي بتسند العمل وبتديله روح.
التيمة التانية الأسرة والتقاليد
في وقت كان المجتمع المصري فيه لسه عنده بواقي من شكل الحياة ما قبل العولمة، حيث إن لسه في أسر تقليدية وأهالى حريصة على أنهم يتجمعوا مع ولادهم كل ليلة، وأم غير عاملة، في شكل أشبه لقطاع كبير من للأسر المصرية في الستينات والسبعينات، بتخرج عيلة مستر حاج عبدالغفور للنور، وهنا اتخلقت الروح للمسلسل بجد الروح اللي شبكت الناس بيها.
الأسرة في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي خلقت إحساس مختلف عند كل جيل اتفرج على المسلسل، جيل جاله إحساس بالنوستاليجيا وافتكر أهله واسرته زمان في الستينات، وأولادهم اللي هما الجيل اللي بعده واللي بعده شاف فيها الدفا الأسري الغايب، والتقاليد اللي كان بيسمع عنها سواء كان متفق أو مختلف معاها بس أهو شافها وحس بيها.
وموضوع الإحساس ده كان كله على كتاف الممثلين قبل الكاتب والمخرج، لأني لو ما حسيتش إني قدام أسرة بجد انا مش هصدقهم مهما اتشقلبوا، وهنا جه دور نور الشريف وعبلة كامل، الاتنين قدروا يخلقوا هارموني واضح على الشاشة بلحظات ارتجال متفق عليها طبيعية وغير مصطنعة.
قدرنا نصدق إن دول زوجين بجد وهما قدروا يقودوا الممثلين الخمسة اللي معاهم في البيت ناهد رشدي ووفاء صادق ومنال سلامة وحنان ترك ومحمد رياض، علشان تصدق إن السبعة دول أسرة واحدة وتتفاعل مع علاقتهم ببعض، التيمة دي مش بس سندت تيمة رحلة الصعود، لكن سندت التيمة الأهم في المسلسل، التيمة الرئيسية.
التيمة التالتة صراع الأجيال والثقافات
في الجزء الأول من المسلسل اللي هو لحد ما عبدالوهاب بيكبر، إحنا بنشوف صراع عبدالغفور في السوق وفي أخره بيبدأ صراع أسرة عبدالغفور البرعي مع ثقافة الانتهازية والوصولية، إحنا هنا مش بس بنصعد الصراع ودرجته لا إحنا كمان بنغير شكله، بالتبعية بنغير أبطاله وضحاياه.
لأن الأسرة كيان حي بيأثر ويتأثر باللي حواليه، تأثرت أسرة عبدالغفور بالصراع بين تقاليدهم وتماسكهم وبين محاولات الوصوليين والانتهازيين معاهم، وده صراع ثقافي بين ثقافة العصامية وثقافة الوصولية، وبيسقط أولى الضحايا من عيلة عبدالغفور في مشهد أيقوني خالد يعرف حاليًا باسم ” فرح سنية”.
فرح سنية يا صديقي هو إعلان سقوط اول ضحية في العيلة والهزيمة الأولى لعبدالغفور في صراعه الأشرس، صحيح عبدالغفور انتصر في النهاية، بس داق طعم الهزيمة عادي يعني.
مستر حاج عبدالغفور كان عارف طعم الهزيمة من زمان في صراعه الأبدي مع عبدالوهاب، واللي بالمناسبة هو الصراع الرئيسي في الرواية المتاخد عنها المسلسل، فبطل الرواية هو عبدالوهاب مش عبدالغفور، وصراع عبدالوهاب كان صراع مضاعف صراعه حول حلمه وهدفه في الحياه، وصراعه بين أبوه وجلبابه وإنه ه\مش عايز يكون زيه، وانتصار عبدالغفور بيحصل لما بيكتشف عبدالوهاب إن هدفه الحقيقي هو جلباب أبوه بس بطريقته.
الحكاية دي بتيماتها الثلاثة كان لازم ولابد تعجب الشعب المصري، الشعب اللي بيحب الأحلام وبيخاف يحاول إنه يحققها، بيستنى يشوف قدامه مثل قدر يحقق حلمه ويبقى كبير من غير ما يسرق أو ينحرف، وشاف فيه صراع بين الأفكار وثقافات مختلفة حتى الثقافة الأمريكية كان ليها نصيب في المسلسل.
والأهم إنه شاف أسرة متماسكة كوحدة واحدة رغم اختلافتهم وتطلعاتهم المختلفة طول الوقت، اسرة بيقع من عندها ضحايا وعندها مشاكل داخلية لكن بتحب بعض بجد، وبتقدر تصد هجمات الوصوليين.
كل ده اتغلف بإطار من التمثيل الذكي الواعي الصادق، وفقر الإنتاج ده كان ميزة مش عيب لأنه أضاف جزء من المصداقية للمسلسل، مع تيمة موسيقية ممكن نعتبرها الأشهر في تاريخ الدراما المصرية تيمة كلها شجن مع تلميح بالفرحة من بعيد لبعيد، تيمه عارفة قلب المصري بيحس بإيه وإيه اللي يربطه تيمه تحمل توقيع موسيقار عظيم اسمه حسن أبو السعود.
كل ده خلى مسلسل انتج واتعرض في سنة 1996 يكون النهاردة استراحة بتجمع أجيال مختلفة، نقطة اتفاق وتشارك بين 3 أجيال على الأقل لو قولت لواحد فيهم جملة زي “عيب يا سيد متقولش كدة إحنا أهل”.. أو جملة “مستر حاج عبدالغفور” هيفهمها ويتفاعل معاها، وعلشان كدة إحنا بنحب لن أعيش في جلباب أبي.