نقد

7 فصول شتاء في طهران.. السياسة تطعن الضحية وتبرئ القاتل

مصطفى الكيلاني

في اليوم الأول من عروض مهرجان الجونة السينمائي شاهدت الفيلم الألماني “7 فصول شتاء في إيران”، الذي يحكي حادثة إعدام ريحانة جباري، الفتاة التي رفضت الاغتصاب وطعنت جراح التجميل الذي حاول انتهاكها، ومات متأثرا بجرحه الوحيد، وظلت تعاني لمدة أكثر من 7 سنوات في السجن، حتى تم اغتيالها بحكم الإعدام.

نفذ حكم الإعدام في “محرم”، الشهر الذي لا يسمح فيه الدين الإسلامي بالقتل، إلا للرد على المعتدي فقط، وكذلك لا تنفذ فيه أحكام الإعدام في إيران وكذلك في باقي “الأشهر الحرم”.

منذ اللحظة الأولى كنت أعرف مصير الفتاة “ريحانة”، فتلك الحادثة غزت أخبار العالم كله، حتى قبل إعدامها، فمنذ المحاكمة الصورية التي خضعت لها الفتاة الصغيرة ذات الـ20 ربيعا، بعد أكثر من عام من الاحتجاز، وبعد تعذيب طالها وأسرتها، ولكن رغم معرفتي بنهاية الأمر، لكن المخرجة الألمانية ستيفي نيدرازول استطاعت أن تضعني كمشاهد في قلب الحدث، حتى وصلت إلى قرب نهاية الفيلم وكنت أتمنى حصول ريحانة على العفو رغم علمي بأنه لم يحدث.

الفيلم الوثائقي لا يجب أن يعرض الأزمة، ولكنه يجب أن “يحكيها”، والحكي وصنع الدراما ليست مهمة الفيلم الروائي فقط، ولكن “الحدوتة” هو ما يجب أن تنقله كاميرا المخرج أيا كان ما يقدمه، وهو ما فعلته الألمانية ستيفي نيدرازول، في ” 7 فصول شتاء في طهران”.

أويما 20 - Uima20 | 7 فصول شتاء في طهران.. السياسة تطعن الضحية وتبرئ القاتل

ولكن أهم ما في الموضوع هو توثيق العائلة للأحداث، صوروا لحظاتهم الجميلة وحفلاتهم قبل الأزمة، وصوروا جزء كبيرا من تحركاتهم وقت الأزمة في الخفاء، ورغم عدم جودة الصورة، وكذلك حركة الكاميرا في تعاملهم مع الشرطة أو أثناء زيارة ريحانة الأولى في السجن، بعد حوالي شهرين من إيقافها، وتسجيلات صوتية استطاعت “ريحانة” أن تهربها من السجن، كل ذلك استطاعت المخرجة أن تستغله لتخترق قلوبنا كمشاهدين، وتضعنا في قلب الحكاية.

استطاعت المخرجة عن طريق فريق انتاج سري أن تقدم لقطات كثيرة للشارع الطهراني، وسجلت مع محامي “ريحانة” وأبيها “فريدون جباري”، وزميلتي سجن لها، إحداهما سجنت في عمر الـ14، وصورت مع أمها شول وشقيقتيها شهرزاد وشارار، بعد أن استطاعوا الهرب إلى ألمانيا، وصنعت من الأم راويا للأحداث وتطورها.

أويما 20 - Uima20 | 7 فصول شتاء في طهران.. السياسة تطعن الضحية وتبرئ القاتل

قدمت التسجيلات وشرائط الفيديو التي استطاع تهريبها أقارب “ريحانة” إلى تركيا حيث قابلتهم المخرجة، توثيقا حيا لكل مراحل القضية، واستغلت صوت الممثلة الإيرانية ” زهراء أمير إبراهيمي” راويا للأحداث بصوت الضحية “ريحانة”، التي استطاعت قبل إعدامها أن تسرب خارج السجن مذكراتها منذ سجنها مع إحدى السجينات التي لم يتم ذكر اسمها حفاظا عليها من ملاحقة الأمن.

وصنع لها المخرج والسيناريست الإيراني سينا عطيان دينا، دراماتورج الفيلم فيما قامت ستيفي بكتابة المادة الوثائقية، وكان ذلك سببا رئيسيا في خروج الفيلم بشكل شديد العذوبة والقسوة معا، وساعد في ذلك الموسيقى التراجيدية التي صنعها الدانماركي فليمنج نوردكروج، التي ساهمت في التغطية على فقر الصورة في اللقاءات المسجلة سواء في إيران للمحامي والأب والسجينتان السابقتان، وكذلك اللقاءات في ألمانيا مع الأم شول، والتي سجلت معها عدة لقاءات، فيما سجلت مع شقيقتيها شهرزاد وشارار لقاء واحد لكل منهما، ولم تستطع أن تستخرج منهما منظورا آخرا للحكاية يوزاي رواية الأم وريحانة نفسها.

أويما 20 - Uima20 | 7 فصول شتاء في طهران.. السياسة تطعن الضحية وتبرئ القاتل

صنعت ستيفي نيدرازول وسينا عطيان دينا تراجيديا جعلت الجميع في الصالة يبكي طوال الثلث الأخير من الفيلم، وكأنها مآساة إغريقية لم تخل من صراع الآلهة والبشر، فالآلهة كانت القوة الغاشمة للسلطة التي صنعت من فتاة حاولت الدفاع عن شرفها وجسدها إلى متهمة، وكبلت الجميع من سلطة دفاع وعائلة وإعلام ومنظمات حقوق إنسان، ونفذت حكم القتل على فتاة لم يزد عمرها عن 19 عاما وقت الحادثة الأصلية، و26 عاما وقت تنفيذ الحكم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى