Dolemite is My Name: كوميديا جميلة لفنان مبتذل
محمد كمال
تتميز السينما الأمريكية بتقديم أفلام السير الذاتية وبرعت أكثر في تجسيد الأفلام الخاصة بنجوم الفن السابقين الذي يمتلكون الموهبة و السيرة الذاتية القوية والتاريخ الطويل ويظل النوع الأصعب في تلك الأعمال الذي يحكي عن شخصية محدودة الإمكانيات والقيمة ، فليس سهلا صناعة فيلم ناجح عن فنان محدود الموهبة ،فأغلبية المنتجين والممثلين يفضلون تجسيد الأبطال الناجحين لكن القليل منهم من يسير عكس الاتجاه لهذا يكون نجاحه بمذاق آخر، وهنا تكمن عظمة فيلم (Dolemite is My Name) أو(دولميت هو إسمي) الذي يشهد عودة النجم الكوميدي إيدي ميرفي للتألق والتواجد على شاشة السينما بعد عدد من الأعمال المتواضعة عبر شركة نيتفيلكس في واحد أعمالها المميزة لهذا العام.
في عام 2017 طرح الفيلم الأمريكي (The Disaster Artist) أو (الفنان الكارثي) بطولة وإخراج جيمس فرانكو ودارت أحداثه حول كواليس تصوير فيلم (The Room) أو(الغرفة) الذي أنتج عام 2003 ويصنفه الكثيرين كأسوأ فيلم في التاريخ وعلى النقيض جاء فيلم (الفنان الكارثي) متميزا فنيا فقد قدم كوميديا عظيمة عن أسوأ فيلم في التاريخ وأعتبره من أفضل الأفلام الكوميدية في العشر أعوام الأخيرة.
يتشابه (دولميت هو إسمي) مع (الفنان الكارثي) في أن كلاهما ناجح لكن يرويان تفاصيل تجربتين شديدا التواضع رغم النجاح الجماهيري ،الفيلم الثاني كان كوميديا عظيمة لأسوأ فيلم ، والأول أيضا كوميديا عظيمة لكن لفنان مبتذل ، وهو "رودي راي مور" الذي ظهر في بداية السبعينيات عندما قدم نوعا من الاستعراضات الهزلية وقام بتسجيلها على أسطوانات وأقام عروضه على مسارح الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يقرر اقتحام عالم السينما ليقدم دور البطولة في فيلم يحمل اسم شخصية دولميت التي بدعها في استعراضاته الهزلية ، ولم يقل الفيلم في هزله وابتذاله عن تلك الاستعراضات لكنه حقق نجاح جماهيري كبير وقتها وحقق الشهرة التي بحث عنها .
رودي راي مور شخص ذو بشرة سمراء في وقت وصل فيه صراع اللون في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ذروته لكل منهما ثقافته الخاصة يعمل رودي في متجر أسطوانات وفي الليل كمقدم للفقرة الغنائية الرئيسية في أحد الملاهي الليلية حيث يقوم بعرض مقدمة كوميدية مدتها لا تتجاوز خمس دقائق ، رودي يسعى للشهرة بأي شكل فهي سبيله الوحيد للشعور بالنجاح لأن إحساس الفشل يطارده منذ الصغر عن طريق والده بالتبني مرورا بعمته وصولا لأصدقائه ، يقوم رودي باستغلال حكايات أحد المتسولين ويحولها لاستعراض هزلي مستخدمها العبرات المبتذلة والألفاظ الجنسية بهدف الإضحاك ، وأزمة رودي كانت مشابه لنظيرتها عند تومي ويزو بطل فيلم (الفنان الكارثي) فهو أيضا الشهرة كانت هدفه الأول عندما أقدم على إنجاز عمل فني ، لكن هل كانت الشهرة فقط هي الهدف الأساسي لكلا منهما ؟
الإجابة: لا.. في (الفنان الكارثي) كان تومي ويزو يبحث إيجاد وخلق حياة كاملة أي زوجة وأبناء وأصدقاء وأيضا أعداء، أما رودي في (دولميت هو اسمي) استخدامه للابتذال كان نوعا من الغضب والاعتراض ليس فقط من الفشل بل أيضا من التفرقة العنصرية، فهو يعيش في مجتمع يتعامل مع أصحاب البشرة البيضاء على أنهم ملائكة وأبطال عكس السود شياطين لهذا فقد لجأ إلى الابتذال ليقول بأعلى صوت كأنها صرخة (دولميت هو اسمي.. والعبث مع المشاكسين هو اختصاصي) لهذا قدم رودي نوع مختلف من الفن مضاد للفن المؤدب -من وجهة نظره- الذي يمثل أصحاب البشرة البيضاء.
نجح المخرج كريج بروير في الحفاظ على هوية فيلمه رغم أن حبكته الأساسية قائمة على سيرة ذاتية لفنان نجح من خلال الابتذال خصوصا في أمرين الأول الفصل التام بين فكرة تقديمه فيلم جيد الصنع في المجمل وبين القصة الأساسية المأخوذ عنها ليؤكد من خلال الحبكة لتي قدمها أننا أمام فيلم كوميدي لكن من نوع خاص.
الأمر الثاني الربط المبهر بين الفن المبتذل الذي يقدمه دوري وبين الأوضاع السيئة لأصحاب البشرة السوداء في أمريكا أثناء تلك الفترة ، ويبدو أن المخرج كان يملك نفس معاناة بطل فيلمه إيدي ميرفي فكلاهما بعيد عن العمل السينمائي منذ أربعة أعوام ، ويقدم إيدي ميرفي أحد أفضل الأدوار في مسيرته فالأداء التمثيلي كان عليه عامل كبير في نجاح الفيلم ككل وفي التعاطف مع شخصية رودي التي تقدم فن مبتذل خصوصا مع إضفاء مشاعر إنسانية لدى الشخصية خصوصا تعامله مع شركائه في العمل والنجاح جيري (كيجان مايكل كي) ، وجيمي (مايك إبس) ، وبن (كريج روبنسون) ، وليدي ريد التي قدمت دورها الممثلة الموهوبة دافين جوي راندولف التي كانت مشاهدها مع ميرفي الأفضل والأقوى والأكثر إمتاعنا في الفيلم .
(دولميت هو اسمي) لا أعتبره مثل (الفنان الكارثي) من أفضل الأفلام الكوميدية في آخر عشرة أعوام لكن (دولميت) أحد أفضل الأفلام الكوميدية في 2019 قدم سيرة ذاتية بشكل جيد على الشاشة لفنان مبتذل يقدم صرخاته ضد العنصرية وكان الأساس لظهور فن الراب، وأعاد إيدي ميرفي للنجومية وللترشح للجوائز.