نقد

الـ fetish أو الهوس الجنسي في السينما المصرية

عمرو شاهين

"بس عواطفك ليه جزمية، عندك عقدة من العُتاقية ولا ده من تأثير الذرة" بتلك الكلمات كان فتحي قورة يصيغ أول أغنية في تاريخ الغناء المصري تتحدث عن "فيتش" أو هوس او فانتازيا جنسية مغايرة، جاءت الكلمات ترقص على أنغام منير مراد وخفيفة ومبهجة بحنجرة فؤاد المهندس، الفيلم كله "مطاردة غرامية" جاء فيلما لطيفا جيد الصنع كتبه فاروق صبري وأخرجه نجدي حافظ عام 1968، ولكن الفيلم كان أكبر من مجرد فيلم كوميدي.
المحاولة الأولى والأجرأ
بعيدا عن الإسقاط المقصود حول المصري الذي يحاول الغرب "إتلاف أمله" متمثل في السيدات، ومجهولي الهوية او المستعمرين الجدد الذين يساعدونه على "البوظان" متمثل في فانتوماس، والمغيبين المتمثلين في الطبيب النفسي "دكتور خشبة" والصراع حول الإنسان المصري الذي يجب ان يتخطى كل هذا ويعود لأصله ويتزوج المصرية التي "دخلت عليه فايزة ومنصورة" كان الفيلم يحمل بداخله أول تناول سينمائي لفانتازيا جنسية مصرية في التاريخ السينمائي كما اعتقد.
منير المهوس بأقدام النساء ربما لم يكن يعرف المؤلف وفؤاد المهندس أن هناك شيء في الجنس يدعى "foot fetish" أي الهوس الجنسي بالقدم، وهنا منير او فؤاد المهندس يقدم دور المهوس جنسيا بقدم السيدات على أكمل وجه ممكن، تلك الجرأة التي ربما لم تأتي لأحد بعده، تنكرت في قالب كوميدي لطيف خفف الكثير من صدمتها بل ربما لم يتوقف أحد امام أن هذا الأمر جديد وغير مسبوق في السينما وقتها، وتعامل معا الجميع كمبرر كوميدي ضاحك لا أكثر" مدام بوز جزمتك يدل على أنوثة طاغية".
المازوخي والخاضع والمستعبد.. وبينهم الكثير 
كانت أقدام النساء البداية للدخول لعالم الهوس الجنسي والفانتازيا الجنسية المختلفة وعلى الرغم من قلة الأفلام التي تناولت تلك الفانتازيا بشكل عام كان لها نصيب في عدد من الأفلام الهامة ربما كان أبرزها فيلم " شفيقة ومتولي" في الفيلم يظهر أفندينا "جميل راتب" وهو رمز السلطة، بكل قسوتها وجبروتها، تتحول أمام المرأة إلى شخص مازوشي أو "مازوخي" يتلذذ بالألم والتعذيب، فيطلب منها أن تعذبه وتضربه بالسوط.
كثيرا ما اقرن علماء النفس السادية والتي يمكن تعريفها اختصارا بحب تعذيب الأخرين، بالمازوشية أو المازوخية وهي ما يمكن تعريفها اختصارا أيضا بحب تعذيب النفس والتلذذ بالألم، في شفيقة ومتولي فإن أفندينا هنا ليس " سليف" كما هو معروف في الفانتازيا الجنسية ولكنه مجرد مازوشي يتلذذ بالألم، وهي تفصيله لم أدرك إلى الأن لماذا وضعها صلاح جاهين الذي كتب السيناريو والحوار، وعلي بدرخان المخرج الذي استقر إليه الفيلم في نهاية المطاف بعد رحلة تنقلات بين المخرجين، ربما قصدا ان حتى تلك السلطة تتلذذ بالألم أيا كان نوعه حتى لو كان ألمه الشخصي، ربما ولكن المؤكد انه تفصيله جريئة للغاية.
من عام 1978 إلى عام 1983 حيث السينما المصرية تقدم نموذج جديد في الفانتازيا الجنسية، حينما تحولت رواية إسماعيل ولي الدين إلى فيلم " درب الهوى" كتب السيناريو له والحوار مصطفى محرم وشريف المنباوي، وأخرجه حسام الدين مصطفى، أظهروا خلال الفيلم شخصية "عبدالحفيظ باشا" والتي اداها حسن عابدين، بانه رجل صاحب فانتازيا جنسية غير عادية.
يعتقد البعض أن عبدالحفيظ باشا في درب الهوى يشبه افندينا في شفيقة ومتولي وهو اعتقاد خاطئ، في فانتازيا الجنس والفيتش، هناك اختلاف كبير بين المازوشي " أفندينا" وبين الخاضع " عبدالحفيظ باشا" هذا الشخص الذي طيلة الوقت يدعي الأخلاق والمحافظة عليها ويدعي الحزم والقوة يتحول في بيت الدعارة إلى "مرمطون" يتحزم ويرقص ويعامل بمهانة كشخص خاضع يستمتع بكونه خاضع.
هذه المرة كان توظيف تلك الفانتازيا الجنسية تصب مباشرة في مصلحة الدراما، فهنا لا مواربة او اسقاط دليل أخر يسوقه صناع الفيلم لكي يكشفوا الانهيار المجتمعي والاخلاق والازدواجية التي يعاني منها هذا المجتمع، لأننا حينما نشاهد الفيلم فنحن نشاهد تلك الازدواجية والانهيار بعيون "عبدالعزيز" أحمد زكي، فكان مشهد الباشا وهو يرقص للعاهرة كصفعة جديدة تضاف على وجهه ليرف أي مجتمع هو فيه.
بعيدا عن ضعف مستوى فيلم " بنت من دار السلام" تأليف وإخراج طوني نبيه على كل المستويات، إلا أنه يعد الفيلم المصري الوحيد الذي كانت فيه الفانتازيا الجنسية هي لب وقلب الحدث والقضية التي يناقشها، الفيلم الذي يتناول فانتازيا "السليف" وهو الدرجة الأكثر تطرفا من الشخص الخاضع، فهو مهان ويتم تعذيبه أيضا، لم يكن به من السينما سوى القليل في مقابل الكثير من الجرأة في تقديم هذه الفانتازيا الجنسية.
هنا الدراما بالكامل تدور في تلك المنطقة وكيف يتعامل صاحب الفانتازيا تلك مع رغباته ومع من حوله، الإشكالية الوحيدة في القضية التي أثارها الفيلم أنه يثيرها وهو يدينها لا يعطيها المقال للأخذ والرد، هو أدان الفعل قبل أن يناقشه، لم يحاول أن يقدم له مبرر او يفهم أو يبرز دوافع، طوني نبيه نصب نفسه حكم في القضية وادانها قبل أن تنظرها محكمته.
من عبدالمنعم إبراهيم إلى هشام ماجد.. الدهن في العتاقي
الفيتش ليس مجرد فعل ولكنه تفضيل أيضا، فمن يفضل الجسد الممتلئ ومن يفضل الجسد النحيف من يفضل تلك البشرة أو ذاك الشكل، ولكن هناك فيتش أو هوس من نوع أخر وهو تفضيل السيدات صاحبات السن الكبير، أو ما يطلق عليهم "granny" في السينما المصرية لم نشاهد هذا الفيتش كثيرا ولكنه ظهر حسب ذاكرتي المحدودة في فيلمين مصريين.
الأول كان عام 1968 –يبدو ان هذا العام كان الأول في ظهور العديد من الفانتازيا الجنسية في السينما-في فيلم أيام الحب للمخرج حلمي حليم الذي شارك في كتابته مع محمد أبو يوسف، في أحداث الفيلم نجد شخصية "حنفي" والتي جسدها عبدالمنعم إبراهيم وهو الرجل الذي يميل للسيدات المسنات، لم يكن هناك داعي ابدا في الفيلم لتلك التفصيله السينمائية، ولكنها وجدت كنوع من أنواع إتاحة الفرصة لخلق مواقف كوميدية، لا أكثر أو أقل.
بينما المرة الثانية التي وجد فيها هذا الهوس كان في فيلم "ورقة شفرة" عام2008 تأليف هشام ماجد وأحمد فهمي وإخراج أمير رمسيس، في الفيلم إسماعيل مهووس بالسيدات المسنات، وربما تلك هي المرة الوحيدة الذي قدمت السينما مبررا لهوس جنسي حينما يروي إسماعيل سبب تعلقه بالسيدات المسنات لفتاة شابه.
لم يكن وجود هذا الهوس الجنسي بغرض الكوميديا فحسب ولكنه أيضا كان مبررا لتصعيد درامي يحدث بين البطلين فايز وإسماعيل، يؤدي لتعقد موقف درامي، إذن فإن وجود هذا الهوس أو الفيتش هنا أساسي لأنه سيتم البناء عليه دراميا وفي رأيي ربما هذا هو أفضل استخدام لفكرة الهوس الجنسي بكل اشكاله في السينما المصرية.
في النهاية الهوس الجنسي والجنس بشكل عام لم يتم مناقشته بشكل موسع في السينما المصرية، ربما كل فترة يخرج علينا فيلم يناقش قضية شائكة ولكنه يناقشها وهو محمل بكل اتهامات المجتمع لتلك القضية واصحابها فحينما يناقش السادية فهو يدينها قبل أن يبدأ في مناقشتها فيجعلنا لا نرى لماذا أو كيف أو ما، لا يطرح أي سؤال ولكنه يدين فقط، لذلك فطوبى لفتحي قورة وفاروق صبري ومنير مراد ونجدي حافظ وفؤاد المهندس الأجرأ إلى الأن حينما قالوا " كل ما تلقى الكعب العالي.. يحصل بينكو غرام فيدرالي شرقي غربي جنوبي شمالي".
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights