رأي
أخر الأخبار

الخان الأعظم في السينما وقطيعة غوروديڤ طاغور

مروة دسوقي

لماذا لا تنتعش السينما الهندية على يد نجمها الأشهر شاه روخ خان بالإرث الثري الذي تركه فيلسوف الهند رابندراناث طاغور رغم هالة التقديس العظيمة حول اسمه وتفرده؟

ولد رابندراناث طاغور في مدينة كلكتا في شرق الهند في السابع من مايو عام 1861م لأسرة بنغالية موسرة ذائعة الصيت من طبقة البراهما النبيلة، ذات التاريخ المجيد والجذور العميقة في عالم الثقافة ودنيا الأدب والسياسة والدين.

رابندراناث طاغور
رابندراناث طاغور

شاع أن القدر قد اعتاد أن يختار الفلاسفة من المُستضعفين ورقيقي الحال، إلا أن الهند شهدت حالتين شذ فيهما عن تلك القاعدة شذوذًا غريبًا: الأولى يوم اختار “بوذا” من قصر أحد الأمراء في الهند ليكون رسولًا للحكمة والفلسفة. والثانية يوم اختار “رابندراناث طاغور” حفيد الأمير “دواركاناث طاغور” ليكون رسولًا للحكمة والأدب، حتى أنه يوم فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1913م كان أول شخص غير أوروبي يفوز بهذه الجائزة العريقة.

كتب طاغور طيلة عمره بخشوع عاطفي وبوحي من جمال الكون وإدراك وجود الخالق فترك لمحبي الفن والأدب حول العالم إرثًا هائلًا؛ أكثر من ألف قصيدة، وأكثر من ألفي أغنية، والعديد من القصص القصيرة والطويلة والمسرحيات الشعرية. ثم شغف بالرسم في سن متقدمة، فترك أكثر من ثلاثة آلاف لوحة فنية في كمال فني عجيب، حتى استحق لقب أعظم فنان في العصر الحديث وهذا يكاد يُفسر اللقب السنسكريتي غورو-ديڤ.

كما أنه وبعد وفاة طاغور، حصلت شبه القارة الهندية على استقلالها وتم التقسيم عام 1947م، فاختارت الهند عام 1950م كلمات طاغور “جانا غانا مانا” التي تم غنائها لأول مرة في جلسة كلكتا للمؤتمر الوطني الهندي عام 1911م لتصبح نشيدها الوطني. ثم بعد سنوات حصلت بنغلاديش على استقلالها عام 1971م فاختارت أيضًا كلمات طاغور “عمار شونار” لتصبح نشيدها الوطني -وللمُفارقة- فإن هذا النشيد كان قد كُتب للاحتجاج على تقسيم البنغال على أسس طائفية عام 1905م. فتمسك الوطن الممزق بنابغته، وأصبح طاغور الشخص الوحيد الذي كتب النشيد الوطني لدولتين. إلا أن السينما الناطقة باللغة البنغالية تمسكت وحدها بإرث طاغور القصصي بينما زاغ نظر السينما الناطقة باللغات الهندية الباقية.

شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎
شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎

نقلت صحيفة الهندوستان تايمز تصريحًا على لسان شاه روخ خان أنه من أشد المعجبين برابندراناث طاغور، وعلى الرغم من أنه لا يعرف اللغة البنغالية، إلا أنه قرأ جميع القصائد المُترجمة لشاعر البنغال.

شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎
شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎

تعترف الهند رسميًا بأكثر من عشرين لغة، منها: “السنسكريتية – البنغالية – البنجابية – الغوجراتية – الكشميرية – الأُردية – السندية – التاملية – المالايالامية – التيلجو – الكانادا – الهندية – إلخ”، لذا لن تجد من يعرف كل هذه اللغات التي تنقسم بدورها إلى أكثر من ألف لهجة محلية حاليًا. فلا تستغرب أن تلجأ ويلجأ هندي لذات القصائد المُترجمة.

شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎
شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎

لكن السؤال؛ لماذا لم يعمل شاه روخ خان بصفته الأشهر عالميًا من بين أبناء جيله على تحويل هذا الإرث الخصب إلى أعمال سينمائية، يُنقذ بها السينما الهندية من مستنقع أفلام الماسالا التقليدية، ويرتقي بالذوق العام الذي كلما رفض أفلام السير الذاتية كلما أقبل عليها أكثر، لأنها في اللاوعي تسير على خُطى الملاحم الڤيدية وتصور انتصار الخير على الشر وهذا ما يجذب الجمهور؟

شاه روخ خان من فيلم الماسالا الهندي چاوان
شاه روخ خان من فيلم الماسالا الهندي چاوان

تُرى يقف حاجز اللغة عائقًا أمام هذا الأمر؟! لا أعتقد، فشاه روخ خان توج رائعة الأديب البنغالي سارات تشاندرا تشاتوبادهي “ديڤداس” في فيلم سينمائي شهير حمل ذات الاسم، من إخراج سانچاي ليلا بهنسالي عام 2002م. كما أنه لجأ إلى أدب راچستان وقصصها الشعبية عام 2005م حين قام بتجسيد دور البطولة في الفيلم الهندي “باهيلي”. إذن فاختلاف اللغة ليس عائقًا إلى هذا الحد.

شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎
شاه روخ خان من الفيلم الهندي ديڤداس‎

ربما يراجع القدر فلسفته ثانية، وربما تأخذ الموجة السائدة طاغور نفسه وتحوله إلى فيلم سينمائي؟ لا أحد يعلم! ولكن هذا أيسر، هذه ذائقة الهنود يحبون السير الذاتية، يحبون تجسد الآلهة والديڤات في أبطالهم لحظة الحسم حتى ينتصر الخير على الشر، والنور على الظلام، والمعرفة على الجهل، كما فعل رام في الرامايانا وكريشنا في المهابهاراتا. وربما يفعلها الخان الأعظم لأجلنا نحن المعجبين في جميع أنحاء العالم.

شاه روخ خان من فيلم الماسالا الهندي چاوان
شاه روخ خان من فيلم الماسالا الهندي چاوان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى