مصطفى كامل.. نقيب التريندات وصانع الأزمات

من صون الفن إلى صناعة الفضائح.. كيف فقدت نقابة الموسيقيين دورها؟
مصطفى الكيلاني
ليس غريبا أن يتحدث وكيل نقابة المهن الموسيقية عن الفنان علي رؤوف صاحب إيفيه “أنا بشحت بالجيتار” وكأنه متسول حقيقة، فهو لم يستوعب أن “رؤوف” هو ملحن وموزع ومطرب وفنان دولاج متعدد المواهب، وأن ما حدث هو مجرد “إيفيه”.
وكيل النقابة لم يخرج عن قواعد نقيبه، فهو يريد أن “يركب التريند”، ولكن ما حدث أن “التريند” دهسه، كما يحدث مع نقيبه في كل تصريح إعلامي أو بيان ركيك الهدف والصياغة وعديم اللغة.
من يجلس على عرش نقابة الموسيقيين اليوم يدرك سريعًا أن زمن النقابة التي يديرها “حراس الفن” انتهى، وبدأ عصر صانعي “التريند”، وسيد تلك المدرسة بلا منازع الفنان مصطفى كامل، النقيب الذي بقدر ما يحب كتابة أغاني “الصعبانيات”، يهوى أكثر نشر “الفرقعات الإعلامية” في الأوساط الفنية. المؤسسة التي كان من المفترض أن تحمي أعضائها من قسوة الحياة الفنية، تحولت إلى ساحة تسابق على “ترافيك” مواقع التواصل، ومنطقة عمليات مفتوحة لكل حادثة تدوّي اللحظة وتُنسى في الغد.

حين تحولت القبلة إلى جريمة موسيقية
آه لو تعلم مقدار رعب النقابة حين شاهدت راغب علامة يتلقى قبلة على خشبة المسرح! كأن قبلة معجبة أوشكت أن تهدم الأهرامات أو تنقل الفوضى من الحفلات إلى شوارع القاهرة!
البيان الذي أصدره النقيب شُحِن باستعارات الفضيلة وغضب المؤسسات، وأطل قرار منع علامة من الغناء في مصر كأنه إنقاذ للوعي الجمعي. متى كانت قضية الذوق العام تُختصر في قبلة عابرة؟ أليس الأولى من هذا الانشغال مناقشة معاشات أعضاء النقابة أم أن “القبلات” أصبحت العدو الأخطر للفن المصري؟
وخرج راغب علامة منتصرا في الجولة الأولى حين علق على قرار منعه بطريقة تمنع من تصعيد الموقف، ثم غادر مصر وعندما رجع قبل موعد حفله التالي، توجه منتصرا لنقابة الموسيقيين وظهر مصطفى كامل بجواره وكأنه معجب يريد صورة مع النجم اللبناني، وجمع عشرات الصحفيين لكي يوضح أن “علامة” وافق على التقاط صورة معه.

معركة المهرجانات
منذ اللحظة الأولى لوجوده على كرسي النقيب، شن مصطفى كامل حربه على مغنيي المهرجانات، فصنع من القرارات سياجًا يحاصر به حمو بيكا وحسن شاكوش وغيرهما. رفعت الشعارات: محاربة الإسفاف وعقاب الشعبوية. لكن، ما الحكمة في منع هؤلاء وزيادة شعبيتهم إلى عنان السماء؟ كأن النقابة تلف الحبل حول عنقها بنفسها وتترك الحابل للنابل، وعوضًا عن تطوير وصقل المواهب، قررت أن تغلق الباب وتخفي المفتاح في جيب مزاج النقيب!
أحمد سعد.. الضحية التي عاقبتها النقابة
منذ توليه منصبه، ظلت أزمة أحمد سعد في تونس واحدة من أبرز الأمثلة التي تكشف تسرع نقيب الموسيقيين مصطفى كامل وانحرافه الواضح عن مصلحة أعضائه. في حفل أحياه سعد على مسرح مدينة بنزرت بتونس، وقعت مشادة كلامية حادة بينه وبين منظّمة الحفل، حيث أطلقت الأخيرة تصريحات إعلامية ضد “سعد” عن أشياء لم تكن موجودة في التعاقد أصلا. وبدلا من أن تتعامل النقابة بحكمة كجهة معنية بحماية عضوها، أصدرت بياناً رسمياً طالبت فيه الفنان بنشر فيديو اعتذار لسيدات تونس، بدون حتى أن يسأل أحمد سعد عن سبب المشكلة.

هذا القرار، شكّل صفعة قوية لأحمد سعد، إذ تحول من ضحية اعتداء لفظي ومن سوء تنظيم من جانب فريق الحفل، إلى معاقب ومدان من نقابته، مما أثار موجة استنكار بين الفنانين والجمهور على حد سواء، إذ بدا واضحًا أن النقابة كانت تسرع لاتخاذ إجراءات إعلامية على حساب منطق حماية الأعضاء وحقوقهم المهنية. أزمة أحمد سعد لم تكن مجرد خلاف عابر، بل نموذج حي على كيف يمكن لتسرع النقيب ورغبته في إثارة الجدل أن تغلب على التعامل العقلاني لصالح فناني النقابة، مما يعكس إهماله للمصالح الحقيقية وحصر دوره في ملاحقة التريندات الإعلامية حتى على حساب أعضائه.
وحين تعلق الأمر بالنقاد أصحاب الرأي، نشط النقيب في إرسال البلاغات القضائية، فصار النقد جريمة وحرية التعبير شبهة أمنية. الأستاذ طارق الشناوي، أحد ضحايا هذه الهبّات، فهو لم يصدق أن تتم مقاضاته لأنه فقط يمارس مهنته كناقد فني، ونقابة تفرغت للهجوم على كل الناس بدلا من محاولة فهم أسباب المشاكل ومحاولة حلها.

منذ بداية أزمات النقيب صرنا نعيش على إيقاع “أستقيل.. لا، سأبقى”. الاستقالة والتراجع، الاستقالة والتراجع… حتى صارت النقابة سيركًا لا تغلق ستائره أبدًا. كل مشهد جديد يمنح النقيب فرصة للخطابة، والشارع ينتظر بلهفة مشهد العودة، وكأن المسؤولية هي لعبة “الاستغماية” في وجهة نظر الأخ “كامل”.
مشكلات النقابة لم تتوقف عند الأعضاء، بل طالت أعضاء المجلس أنفسهم، مع توجيه الاتهامات بانفراد مصطفى كامل بالقرارات، وتحول الديمقراطية إلى نظام الفرد يقرر والجميع يُصفّق، والنتيجة تكتلات داخلية وضعف تنظيمي، وكأننا حقًا في “مزرعة صغيرة” يديرها راعٍ لا يبالي إلا بصوته في الميكروفون.
هل تكفي كل هذه الهزات لتُلزم النقيب بالعودة لدوره الأصلي: الدفاع عن مصالح الأعضاء وتحسين أحوالهم؟ أم سيظل “ملك التريند” يتمايل على الساحة، أما الجمهور فقد ضحك كثيرًا حتى بكى.