رأي

 “ويبقى الأمل”.. حينما يصبح الفن شهادة على الألم وأداة للدبلوماسية الإنسانية

مصطفى الكيلاني

في أجواء مهرجان الجونة السينمائي، الذي يرفع دائما شعار “سينما من أجل الإنسانية”، برز فيلم وثائقي استطاع أن يخطف الأضواء ويلامس وجدان الحضور بعمق، ليس فقط بقصته، بل برسالته التي تجاوزت حدود الشاشة. فيلم “ويبقى الأمل”، من إنتاج مجلس الشؤون الإنسانية الدولية بدولة الإمارات العربية المتحدة، لم يكن مجرد عرض سينمائي، بل كان حدثًا إنسانيًا وفنيًا أثار نقاشًا واسعًا حول دور الفن في توثيق الأزمات وصناعة الأمل.

 سردية بصرية تتجاوز المعاناة

يقدم فيلم “ويبقى الأمل” صورة بانورامية للوضع الإنساني في قطاع غزة على مدار العامين الماضيين. لكنه يختار بوعي ألا يغرق في بحر المعاناة فقط، بل ينتشل منها قصصًا حقيقية لأفراد تغيرت حياتهم بفضل التدخلات الإنسانية الإماراتية. من خلال لقطات ومشاهد حصرية تُعرض للمرة الأولى، ينقل الفيلم المشاهد إلى قلب الواقع القاسي للأطفال والنساء وكبار السن، ثم يبني جسرًا نحو الأمل من خلال توثيق جهود الإغاثة.

استعرض العمل مبادرات ملموسة، مثل إنشاء مستشفيين ميدانيين، وإجلاء مئات المرضى للعلاج في أبوظبي، واستضافة المتضررين في مدينة الإمارات الإنسانية لتلقي الرعاية الصحية والدعم النفسي. هذا الانتقال من الألم إلى التعافي هو جوهر الرسالة التي أراد الفيلم إيصالها، وهو ما نجح فيه بامتياز، حيث تفاعل الحضور معه بلحظات من الصمت والتأثر العميق، أعقبها تصفيق حار وطويل. ووصفه فنانون ومخرجون بأنه تجاوز كونه وثائقيًا ليصبح “شهادة حيّة” على قدرة الإنسان على الصمود.

ويبقى الأمل
ويبقى الأمل

بين الفن والدبلوماسية الناعمة

لا يمكن قراءة فيلم “ويبقى الأمل” بمعزل عن كونه أداة فعالة للدبلوماسية الإنسانية. الفيلم، الذي أنتجته جهة إماراتية رسمية ونفذته شركة “جلوبال أدفايزورز”، لا يوثق المأساة فحسب، بل يسلط الضوء بشكل مباشر وواضح على الدور الإماراتي كفاعل رئيسي في جهود الإغاثة العالمية. وقد صرح الدكتور المزروعي بأن الإمارات قدمت أكثر من 43% من المساعدات الإنسانية العالمية في أزمة غزة، وهو رقم يحمل دلالة سياسية وإنسانية كبيرة.

الفيلم يبرز أيضًا أهمية التعاون المصري-الإماراتي، حيث أشاد كل من المزروعي والسفير الزعابي بالدور المصري المحوري في تسهيل وصول المساعدات عبر معبر العريش. وبهذا المعنى، يعمل الفيلم على تعزيز صورة الإمارات كقوة إنسانية عالمية، ويرسخ علاقاتها الاستراتيجية مع شركائها الإقليميين.

ويبقى الأمل
ويبقى الأمل

 السينما كأداة للتأثير وصوت للإنسانية

أتبع عرض الفيلم جلسة نقاشية رفيعة المستوى بعنوان “السينما كأدوات فعالة من أجل الإنسانية”، والتي شكلت إطارًا فكريًا لفهم الأبعاد العميقة للفيلم. المشاركون، ومن بينهم الدكتور حمدان مسلم المزروعي، رئيس مجلس إدارة هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، والسفير الإماراتي لدى مصر حمد عبيد الزعابي، والفنانان حسين فهمي ويسرا، أجمعوا على أن السينما لغة عالمية قادرة على إحداث تغيير إيجابي.

أوضح الدكتور المزروعي أن “السينما تخاطبنا بلغة أقوى وأوضح وأكثر صدقًا” لأنها تتواصل مع المشاعر وليس فقط مع الحقائق والمنطق. وأشار إلى أن أهالي غزة أنفسهم كانوا يرغبون في نقل قصصهم للعالم ليس كقصص معاناة، بل كقصص صمود وأمل.

من جانبها، أكدت الفنانة يسرا، التي تأثرت بشدة بمشاهد الفيلم، أن “الفن هو المرآة التي تعكس كل ما يحدث في العالم”، مشددة على ضرورة وجود مثل هذه الأعمال التي تظهر الواقع الإنساني بصورته الحقيقية. أما الفنان حسين فهمي، فأثنى على الفيلم الذي “وثّق بصدق مشاعر ومعاناة أهل غزة”، وشكر دولة الإمارات على دعمها التاريخي والمستمر للشعب الفلسطيني.

ويبقى الأمل
ويبقى الأمل

فيلم “ويبقى الأمل” هو عمل فني ناجح بكل المقاييس. لقد نجح في تحقيق هدفه المزدوج: الأول، هو تقديم عمل فني مؤثر يروي قصة إنسانية عالمية عن الصمود والأمل في وجه أقسى الظروف. والثاني، هو تسليط الضوء على الدور الإنساني لدولة الإمارات، وتقديمه كنموذج يحتذى به في التضامن الدولي. وبينما يقدم الفيلم شهادة صادقة ومؤثرة عن واقع غزة، فإنه يمثل أيضًا استخدامًا ذكيًا للقوة الناعمة، حيث تصبح السينما جسرًا ليس فقط بين الثقافات، بل أداة لتوثيق الإنجازات الوطنية وبناء سمعتها على الساحة الدولية. لقد ترك الفيلم أثرًا عميقًا في الجونة، مؤكدًا أن أقوى القصص هي تلك التي تنبع من قلب الحقيقة وتمنح الأمل في مستقبل أفضل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى