نقد

باربي.. محنة “الرجل” في مجتمعات الصوابية السياسية

مصطفى الكيلاني

قبل مشاهدة فيلم “باربي” طرحت جانبا كل ما قيل عنه في الصحافة العربية، ونحيت جانبا أي تصور مسبق حول هوية الفيلم وأطروجته الإنسانية، وتركت نفسي للاستمتاع بفيلم إيراداته تخطت مليار دولار على مستوى العالم، كأول فيلم تخرجه سيدة “جريتا جرويج” يعبر حاجز المليار، بطولة مارجوت روبي ورايان جوسلينج.

بداية الفيلم داخل عالم “باربي” المختلف تماما عن العالم الحقيقي، العالم الذي تعد فيه الخوارق شيئا طبيعيا بالنسبة للنساء، بينما لا يفعل الرجال شيئا سوى اللعب على الشاطئ، ويتم التركيز على أن مسؤول الشاطئ لا يفعل أي شيء سوى أنه يقف على الرمال ويلعب وفقط.

مع حدوث أزمة لدى “باربي” ملكة ذلك العالم الفانتازي، تضطر للتجول في العالم الحقيقي مع “كين” رجل الشاطئ الذي قدمه الفيلم على أنه صاحب الذكاء الضعيف، وتحاول الشركة المصنعة لعالم باربي أن تعيدهما لذلك العالم الفانتازي.

باربي

الفيلم به مناطق مملة كثيرة، بسبب حشو عبارات حوارية كثيرة لتأكيد كل الأفكار التي ينادي بها، مما أوقع السيناريو في مطبات عدة، لم يتحملها مشاهد مثلي متحمس لرؤية ما الذي يقدمه ذلك الفيلم “الملياري”، ولم تستطع المخرجة جريتا جرويج ولا فريق المونتاج أن يعالجه، ما جعلني أتململ في جلستي في انتظار انتهاء تلك الحوارات الكثيرة، وعودة أحداث الفيلم للسير بإيقاع منطقي.

الطرح الذي يقدمه الفيلم دعمه بديكورات مبهرة جدا لعالم باربي، أساسها درجة اللون الوردي الغالبة على كل منازل وطرق ذلك العالم، في مقابل الألوان السوداء والرمادية للعالم الواقعي، وتفاعل التصوير مع ذلك حيث كان عالم باربي أكثر إبهارا، في مقابل تجهم واضح في تصوير العالم الحقيقي، يظهر من خلال استخدام الصورة وحركة الكاميرا، وحتى طبيعة ملابس سكان ذلك العالم، بما فيهم المراهقات داخل المدرسة.

باربي

لم تقدم مخرجة باربي حلولا واضحة لما شاهدناه في السيناريو، والراوي الذي كان بصوت الأوسكارية “هيلين ميرين” لم يقدم أي منحة للفيلم، بسبب ضعف الحوار ومباشرته، ولذلك أرى أن السبب الرئيسي لكم تلك الإيرادات هي الدعاية القوية التي صنعها المخالفين لأفكار الفيلم بدعم من شركة الإنتاج نفسها.

فريق الفيلم قدم الرجل داخل العمل وكأنه كائن لا يستحق الحياة، ولا يستحق العمل، وعليه أن يظل جالسا يلهو على الشاطئ ليتلقى فتات اهتمام وصفر محبة، وعلى المرأة أن تصادق من جنسها، وتصنع لهوها مع من يتفق معها في أنثويتها فقط، ليقدم صيغة معاكسة للقصة الفنتازية الخاصة بنساء الأمازون، الذين يعيشون معا في جزيرة بمفردهن، وعندنا يأتي رجل أو رجال للجزيرة تتحول أفكارهن لقبول الرجل داخل ذلك المجتمع ذو الجنس الواحد، وقدمت تلك القصة بروايات كثيرة معظمها يحمل ذلك المفهوم.

باربي

باربي يقدم القصة المعاكسة، مجتمع النساء يخترقه الرجل، ليصبح في لحظات مجتمعا همجيا متخلفا، ويتم السيطرة على النساء ليتحولن إلى خادمات ورفيقات متعة للرجل، وتقرر النساء إعادة السيطرة على عالم باربي، وإرسال الرجال إلى الشاطئ حيث لا عمل ولا تفكير ولا تطور.

تقديم الفيلم كفنتازيا يحقق الكثير لصناعه، لأنه يمرر أفكارا ليس لها علاقة مباشرة بالمثلية الجنسية كما صور البعض، ولكنها لها علاقة بشكل المجتمع نفسه، ونجحت الصوابية السياسية في دعم الفيلم من خلال استغلال السوشيال ميديا الرافضة للأفكار التي يقدمها، لتحويل الفيلم إلى تريند، وتسويقه باعتباره الفيلم الممنوع من العرض، بنفس منطق “شاهد قبل الحذف”، وصنعت فرق النيوليبرال فرقا كاملة مدججة بأحدث التقنيات للترويج للفيلم على السوشيال ميديا، باختلاق قصص داخله وترويجها داخل المجتمعات المحافظة، بما فيها أمريكا ذات نفسها، واستطاعت بذلك حشد الكثيرين لمشاهدة الفيلم.

رافق الفيلم أيضا ترويجا ودعاية لكل منتجات باربي، فشركة “ماتيل” التي صنعت دمية باربي منذ عام 1959، قدمها الفيلم باعتبارها نموذج شرير جاهل، يديره مجموعة من المختلين ومحدودي الذكاء من الرجال فقط، تلك الشركة هي نفسها التي ساهمت في صناعة الفيلم، وكسبت مئات الملايين من الترويج لدمى باربي والاكسسوارات الخاصة بها، وهكذا خرج الجميع بمكاسب على جميع الأصعدة.

باربي

كسب النيوليبرال صناع “الصوابية السياسية” منتجا فنيا جديدا يدعم أفكارهم الخاصة بنموذج المجتمع الذي يريدونه، بلا علاقات إنسانية طبيعية، بلا نموذج الأسرة الطبيعي، مجتمع متطرف فكريا وأخلاقيا، ملذاته الأساسية في خلق العداء بين كل مكوناته، وخلق صراع أبدي، وتحكمه فئة هي فقط التي تعيش بالنظام الأسري الطبيعي، وتتوالد منه أجيال تستمر في تصدير الفكرة للآخرين وعدم تطبيقها على الفئة الحاكمة.

وكسبت شركة “ماتيل” المنتجة لباربي مليارات لسنوات مقبلة عبر إعادة إحياء الدمية من جديد، ويديرها رجل هو يانون كريز، وهو ما هاجمه الفيلم، ولكنهم من الفئة الحاكمة التي لا تتبع القوانين التي يصدرونها للعالم، ويتكون مجلس إداراتها من 11 شخص به 4 سيدات فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى