“ادريس كريم… مخرج سينمائي مغربي عاش ومات مسجونا بين جدران أحلامه “
كاتب المقال مهدي عبودي
ولد ادريس كريم بمدينة طنجة سنة 1936، درس في باريس، وبعد حصوله على الباكلوريا، توجه رفقة الرسام المغربي الكبير فريد بالكاهية نحو براغ لدراسة المسرح، لتأتي موجة الشباب المغاربة، الذين رغبوا في دراسة السينما في أواخر الستينيات، وتحمله إلى لودز ببولندا، ليدرس الإخراج رفقة مصطفى الدرقاوي وعبد القادر لقطع وآخرون، شباب حلموا بصناعة سينما مغربية تحمل هويتها الخاصة، وتتميز بقوتها وحدتها، وأيضا طاقة مبدعيها، إلا أن هذه العزيمة واجهت أوضاع المغرب السياسية في سبعينيات القرن الماضي، بسبب الإنقلابات المتوالية على العرش، واسترجاع الوحدة الترابية، لم تكن الدولة على استعداد لتقبل مجموعة من الشباب المتشبعين بأفكار يسارية و شيوعية.
ادريس كريم كان أكثر هؤلاء الشباب موهبة ودقة، وقوة فكرية، كان يملك رؤية واضحة، وكانت له نظرة سينمائية جريئة وشاعرية، فبمجرد وصوله، عمل على إخراج فيلم وثائقي بعنوان ” أطفال الحوز ” والذي كان يتحدث فيه عن وضعية أطفال الفلاحين، بالمناطق المنسية، استناداً إلى بحث ميداني قام به عالم الإجتماع بول باسكون، قامت السلطات المغربية بمنع الفيلم، وبوضع المخرج في خانتها السوداء، ليتعرض بعدها للرقابة الشديدة والتي منعته على غرار أصدقاءه من القيام بفلمه الروائي الأول، حلم ظل معلقاً في هواجسه، وجعله يرحل إلى فرنسا، ويبتعد عن السينما بشكل كلي، هناك حيث عاش مسجوناً، غريباً ربما حتى عن نفسه، إلى حين وفاته سنة 2009 بباريس.
بعد أكثر من عشر سنوات على وفاته، تعرض ضمن فعاليات عيد السينما بمراكش، الأفلام التي أخرجها الطلبة المغاربة بمدرسة لودز في سيتينيات القرن الماضي وذلك بعد ترميمها، وبحضور الأخوين عبد القادر لقطع، و الأخوين الدرقاوي، من بين الأفلام المعروضة كان هناك ثلاثة أفلام بقيت راسخة في أذهان الحاضرين، نظراً لقوتها وعظمتها، بدأ الجميع يتساءل عن صاحبها، ليكتشف الجميع أنها لمخرج مغربي يدعى ادريس كريم، فربما على السينما المغربية التي لازالت تتخبط بين التفاهة، وضياع الهوية، وغياب الرؤية، أن تبكي، تبكي وهي الآن تبحث عن مخرجين يحاولون لعقود في ركن مظلم، بينما يموت مخرج عبقري، مسجوناً بين جدران أحلامه، كاتباً نهاية حكاية، هي الأبشع في تاريخ الإبداع السينمائي المغربي.