نقد

4-2-4 حينما اجتمعت كل مدارس الكوميديا في فيلم واحد

عمرو شاهين

السينما المصرية تحتضر، أسمع تلك الجملة منذ وعيت على الدنيا حتى هذه اللحظة، السينما المصرية تحتضر حينما تنتج 50 فيلم في العام، السينما تحتضر حينما تنتج أفلام كوميدية، السينما تحتضر لأنها أنتجت أفلام المقاولات، وفي رأيي أن أفلام المقاولات واحدة من أجمل مغامرات السينما المصرية وليس كل إنتاجها موسوم بذلك المعني السيء لسينما المقاولات.

4-2-4 ربما يكون هذا أغرب اسم فيلم في السينما المصرية، الحقيقة أن تلك الفترة تزخر بكمية لا بأس بها على الإطلاق من الافلام المزينة بأسماء غريبة وعجيبة ولكن هذا ليس موضوعنا الموضوع باختصار أن ربما في تاريخ السينما المصرية العامر لم يجمع فيلم واحد جميع مدارس الكوميديا التي ظهرت على الشاشة المصرية مثلما فعل فيلم 4-2-4.

الفيلم الذي كتب القصة والسيناريو والحوار له فاروق صبري لم يفت على صناع الفيلم أن يشيروا في بداية التيترات أنه مستلهم من المسرحية الكوميديا الإيطالية بردرسو أو الورثة واخرجه المخرج الفذ سيء الحظ أحمد فؤاد، ليقم بما لم يقم به الكثيرون في السينما المصرية، وهو جمع نجوم الكوميديا في فيلم واحد.

الغريب أنه لم يجمع نجوم الكوميديا من نفس المدرسة بل من مدارس الكوميديا المختلفة، سمير غانم بالطبع بمدرسته الشهيرة، كوميديا الإفيه سواء اللفظي أو الحركي أو الإكسسوار أو حتى تقديم موقف كوميدي قائم على مجموعة افيهات متلاحقة، وهذا مختلف كل الاختلاف عن كوميديا الموقف الدرامي وسوء الفهم، بينما يقع على عاتق يونس شلبي ولبلبة أن يقدما كوميديا الساذج بينما كوميديا رد الفعل يتكفل بها محمود القلعاوي وينفرد وحيد سيف بكوميديا الفارص أو المهزلة والمبالغة في الحركة والكلام.

لم يبقى إذن إلا كوميدي الموقف التي لم تجد لها ممثلا في تلك الخلطة الكوميدية الفريدة، ولكن لحظة واحدة القصة والحبكة بالأساس مبنية على كوميديا الموقف، فحتى هذا النوع من الكوميديا متواجد داخل العمل، ولكن هل غرض فيلم 4-2-4 هو الإضحاك فقط؟ ورغم أن فكرة الضحك للضحك والتي قد يراها بعض أصحاب الأبراج العاجية شيء مبتذل ولكن للأمانة أرها أحد أجمل أنواع الكوميديا كوميديا بغرض الضحك فقط، ولكن هذا ليس مبدأ أحمد فؤاد أبدا.

لماذا قلت إنه مخرج فذ سيء الحظ؟ لأنه ببساطة له سمات تتشابه مع مخرجين من أهم مخرجي السينما على الإطلاق الأول وهو الأمريكي بيلي وايلدر والثاني هو المصري فطين عبد الوهاب، ووجه الشبه أن الثلاثي وايلدر وفطين وفؤاد قدما أغلب أنواع السينما إلا أنهم وحتى الآن يصنفون على أنهم مخرجي أفلام كوميدية ولكن كانت لهم صولات خارج هذا النوع.

ثانيا أن الثلاثي لم تقتصر الكوميديا في أفلامهم على الإفيه او ما يقوم به الممثل أمام الكاميرا، ولكن تجد بعد من الكوميديا والأفيهات التي يتم تنفيذها بالكاميرا، أو ما أحب تسميته كوميديا المخرج، فؤاد أيضا قام بهذا كثيرا في أعماله، بالتأكيد هناك تفاوت في المستوى بين وايلدر وفطين وبين أحمد فؤاد تفاوت بالتأكيد يصب في مصلحة الكبار بالطبع، ولكنني وبشكل شخصي أعتبر فؤاد قبسا منهم.

لماذا سيء الحظ؟ لأنه ببساطة جاء في مرحلة كانت السينما المصرية تتراقص في صراع الأجيال السينمائي المعهود وتمهد إلى مرحلة جديدة عرفنها بعد ذلك بمرحلة الواقعية الجديدة، مرحلة صراع تلك كان لها العديد من الضحايا، وأغلب الضحايا كانوا مخرجين وعلى رأسهم بالطبع أحمد فؤاد.

بالعودة إلى فيلم 4-2-4، فإن الفيلم بالفعل يحمل بداخله قضية وربما وقتها كانت قضية هامة، القضية الظاهرة للعيان هي قضية المطالب سواء من أصحاب المطالب أو المطلوب منهم تحقيقها، نظرية طرد الجميع والبدء من الصفر، فحينما يطالب أحد بحق من حقوقه فإن النظام أيا كان، يقوم باستبعاده والإتيان بوجوه جديدة أقل كفاءة ومعدومة الموهبة فقط لكي تكون بلا مطالب.

تلك القضية يمكنك أن تفسرها كيفما تشاء، يمكن أن تضع لكل شخصية رمز سلطوي، سواء حاكم او ما هو أدني، وبمد الخط على استقامته ستجد ان الفيلم ربما يتحول في نظرك إلى فيلم يحمل مغزى سياسي ما وعلى هامش تلك القضية تجد قضية التعصب الكروي التي كانت ومازالت وستظل مظهر من مظاهر المجتمعات في العالم أجمع.

ولكن في رأيي أن أفضل ما بالفيلم هو تلك الجرعة المركزة من الكوميديا الخالصة متعددة الأنواع، أن صناع الفيلم مخرج ومؤلف قالوا كل ما يريدون قوله دون ان يقوله صراحة، فلا ابداع على الإطلاق حينما تقول إنك تشعر بالعطش، ولكن الإبداع أن تقول ذلك دون ان تذكر كلمات مثل عطش ماء كوب وما إلى ذلك.

لم يفقد الفيلم رغم كل ذلك قدرته على الإضحاك الذي يعد الهدف الأساسي من الفيلم الإضحاك من الكادر الأول إلى الكادر الأخير في الفيلم، بكل أشكال الضحك، والأهم أن هذا الفيلم هو الجامع للكوميديا في مصر ربما على مر التاريخ لم ينافسه في هذا إلا فيلم أخر في رأيي وهو فيلم (تجيبها كده تجيلها كده هي كده) ولكن لهذا حديث أخر.
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى