The Mule مازال كلينت إيستوود قادرا على الإبهار
محمد كمال
أمر مدهش وسعيد أن تجد نجم كبير مثل كلينت إيستوود مازال لديه القدرة في التواجد على الشاشة هو في الـ88 من عمره، والأكثر إدهاشا وسعادة أن هذا التواجد ليس مجرد تمثيل شرفي، الكثير من أقرانه يظهرون في الأفلام كضيوف شرف أو في أدوار ثانية وثالثة، لكن ظهور إيستوود يكون كبطل أوحد للعمل ومخرجه أيضا، فلم يكتف إيستوود صاحب الأربع جوائز أوسكار وثلاث جولدن جلوب بما حققه، ومازال طامحا في المزيد محافظا على استمراره وتاريخه الطويل كمخرج وممثل ومنتج وموسيقى.
كلينت إيستوود كممثل مازال يمتلك القدرة على الإبداع في الأداء من خلال حركاته ونظراته وانفعالاته، الفارق فقط إنه قام بتطويع تقدمه في العمر خلال رؤيته في تقديم الأدوار، وأيضا إيستوود المخرج مازال قادرا على اختيار الأعمال التي يقدمها محافظا على إيقاع هذا التواجد بمتوسط فيلم كل عامين، إلا العام الماضي الذي قدم فيه إيستوود كمخرج فيلمين الأول الذي عرض في بداية العام The 15:17 to Paris والثاني الذي عرض في ديسمبر الماضي والذي حمل اسم The Mule.
في الأعوام الأخيرة انصب اهتمام كلينت إيستوود المخرج على تحويل القصص الحقيقية إلى شاشة السينما بداية من J. Edgar في 2011 مرورا بـ Jersey Boys و American Sniper في 2014 ثم Sully في 2016 وصولا الى The 15:17 to Paris في 2018 وأخيراThe Mule .
أهم ما يميز كلينت إيستوود أثناء نقله للقصص الحقيقة في أنه لا يعطى اهتماما كبيرا بالحدث الرئيسي أو البطولة الشخصية لمنفذه، أو الملكة الرئيسية التي يتمتع بها بطله، لكنه يطلق العنان للغوص في تحليل تفاصيل شخصية هذا البطل و خلق عالم كامل، له بداية من الوضع الاجتماعي والحالة الاقتصادية والمنظور السياسي.
إيستوود وصل الى ذروته في هذا خلال American Sniper الذي اعتبره أفضل أفلامه إخراجيا في العشر أعوام الأخيرة، مع القناص الأمريكي الشهير كريس كايل، فالجميع وقتها توقع فيلم يحتفى بأشهر قناص أمريكي في حرب العراق، لكن مفاجأة إيستوود كانت في تقديم نظرة متوازنة، سواء من خلال شخصية كايل أو من خلال الرؤية السياسية الأمريكية، التي حمل لها إيستوود إدانة للإدارة الأمريكية للحرب.
أما الفيلم الأول الذي قدمه في 2018، The 15:17 to Paris لم يقم أيضا بالتركيز على العمل البطولي لثلاثة أمريكيين قاموا بإنقاذ قطار في بروكسل، بل اعتبره إيستوود حدثا هامشيا، فقد كانت أحداث الفيلم كلها عن تفاصيل حياة الأبطال الثلاثة، وجاء الحادث في الربع ساعة الأخير من الفيلم، كما ان إيستوود أكمل مغامرته باختيار الأبطال الحقيقيين لتجسيد أدوارهم في الفيلم.
يستمر كلينت إيستوود في نهجه خلال أحدث أفلامه The Mule، المأخوذ عن قصة حقيقية للجندي الأمريكي السابق ليو شارب أو كما ظهر في الفيلم باسم إيرل ستون، صاحب ال 87 عاما، نفس عمر إيستوود تقريبا، الذي أصبح أهم مهرب مخدرات على الحدود الأمريكية المكسيكية من خلال عمله مع إحدى الكارتلات المكسيكية.
إيرل، بستاني ناجح، لكن ما الذى يجعل هذا الشخص العجوز الموهوب في مهنته ان يتحول إلى سائق يهرب المخدرات؟ اعتقد ان هذا السؤال هو الذي طرحه إيستوود، وبدأ في خلق تفاصيل حياة إيرل الذي يعاني من الفشل في التعامل مع تغيير الأزمنة، والتي بالتالي جعلته مديون بسبب عدم بيع شتلاته مثل السابق، إيرل أيضا فشل اجتماعيا في استمراره بجوار عائلته لأنه وضع عمله في المقام الأول برغم شخصيته الساحرة الساخرة.
إيرل أناني عنيد غير ملتزم لا يهتم سوى بنفسه، وهذا ما أظهره بوضوح في الاحداث التي ارتكزت معظمها على دور إيستوود و بقية الأدوار كأنها ثانوية، فقد كانت التفاصيل الدقيقة شحيحة، لكن الخطوط مع كل الشخصيات مفهومة من العبارات القليلة سواء مع الزوجة أو الابنة أو المحاربين القدماء، لكن تظل العلاقة الأبرز تلك التي جمعته مع الشرطي بايتس، الذى قدمه بسهولة وسلاسة دون أي عناء برادلي كوبر، صحيح هذه العلاقة جاءت عابرة سريعة وبسيطة لكنها تعبر عن مستقبل الوضع الاجتماعي للطبقة الوسطى، خصوصا كبار السن في المجتمع الأمريكي، فالشرطي بايتس الشاب هو المعادل لشخصية إيرل المهرب العجوز .
شخصية إيرل جمعت كل التفاصيل المحببة في أفلام كلينت إيستوود حيث خفة الظل، الوحدة، خطايا الماضي، الشعور بالذنب، صراع الأجيال والحداثة مع خط بسيط من السياسة، دوافع إيرل للتفوق في العمل لم تكن بسبب الحب فقط بل الدافع الاكبر هو الاهتمام، أي يكون محل اهتمام دائم من الجميع، هذا ما وجده من البستنة وفي التهريب أيضا، وهو على النقيض لم يكترث بزوجته وابنته، صحيح أنه حاول معالجة الامر مع الحفيدة.. لكن.
المهرب فيلم تقليدي في تناوله لعمليات التهريب بين الحدود الأمريكية المكسيكية، أو من خلال رحلة رجل عجوز اكتشف إنه مقصر في حق أسرته، أو في المستقبل الضبابي للطبقة العاملة في المجتمع الأمريكي، لكن عظمته تكمن في قدرة كلينت إيستوود على الاستمرار والتواجد.