التراث الثقافي من أجل تربية الطفل وتعليمه
د. محمد حسن عبدالحافظ
يعد التراث الثقافي من المكونات الأساسية في بناء الحضارة الإنسانية بشكل عام، وفي بناء مكونات الشخصية الفردية بوجه خاص، ونعني بالتراث الثقافي المعني بتربية الطفل وتعليمه وتثقيفه عددًا هائلاً من العناصر الأدبية والثقافية الشعبية؛ مثل: الحكايات (الخراريف)، والأمثال، والأغاني والأهازيج، وآداب السنع، والألعاب، وعروض العرائس والدمى، والفنون الأدائية، والحرف، والمعتقدات والعادات والمعارف التقاليدية.
ولا نعني بالتراث الثقافي ما يوصم به البعض من معان سلبية، حيث ينسب إليه خطأ النكوص إلى الماضي والانصراف عن الحاضر، هذا المعنى الذي دفع البعض إلى الدعوة لقطع الصلة بالماضي، والاعتقاد بأن التقدم يكمن في التنكر للتراث الذي يشكل في نظرهم سجنًا، وليس فضاء للتعلم وتعزيز الهوية وارتياد الآفاق.
وتمثل عمليات صون التراث الثقافي ونقله من جيل إلى جيل واحدًا من أهم أهداف الإمارات منذ سنوات بعيدة، بُذلت خلالها جهود كبيرة، حيث أحرزت الإمارات نجاحًا لافتًا في تسجيل عناصر التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة "اليونسكو"، وقدمت الإمارات نموذجًا عالميًّا في التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة في ملفات تسجيل هذه العناصر.
وتعد المدرسة، بجانب الأسرة، المؤسسة الرئيسة المعنية بنقل هذا التراث الثقافي إلى الأجيال الجديدة بصور وممارسات تعليمية وتربوية وتثقيفية متعددة، تتناسب مع المراحل العمرية المختلفة، تستهدف تعزيز الانتماء إلى قيم التراث الثقافي الإماراتي، من خلال دمج الطلاب في البرامج والأنشطة التفاعلية التي تثري معرفتهم بتراث الإمارات. غير أن دمج التراث الثقافي في التربية والتعليم يجب أن يتحقق على أسس منضبطة ومدروسة تعمل على تحديد الخيارات بعناية فائقة، وتعمل على غرس التراث الثقافي في وجدان الطلاب بوسائل مبتكرة، وإغنائه، وبث الدينامية في مقوماته الأساسية. وتتآزر في هذه المهام جهود خبراء التراث مع خبراء التربية والتعليم ومسؤولي الأنشطة المدرسية.
وتكمن أهمية تثقيف الطفل بالتراث في تحويل الطفل من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، ويحتل التراث الثقافي الوطني، بما هو تنشئة اجتماعية، مكانة مهمة جدًا خلال سنوات الطفولة وصولاً إلى سن الرشد، فخلال هذه السنوات الحاسمة تتم عملية الانتماء الاجتماعي بخصائصها وديناميتها الأساسية، كما تتشكل الهوية الذاتية التي يلعب المحيط الاجتماعي بمختلف مثيراته ووسائطه الدور الحسام فيها، كما أن التراث الثقافي لا يقتصر على تكوين الهوية؛ بل تتعداه إلى تكوين الشخصية بمجملها، وتحدد السلوك وتوجهاته، وذلك من خلال عمليات النمو، في مختلف أبعادها العاطفية والمعرفية والاجتماعية والسلوكية والجمالية.
وليس تثقيف الطفل بالتراث عملية ارتقاء فكري وتهذيب للحواس؛ بل إعداد للمستقبل وصناعة له من خلال الأجيال الجديدة، هذا المستقبل رهن بعملية التنشئة، ومدى العناية التي تعطى لها، ونوع التوجهات الأساسية التي تتخذها، ولذلك لا نغالي عندما نقول بأن نهوض المجتمع يتصل بمستوى ربط الطفولة بالتراث الثقافي الوطني الحي.
على سبيل المثال، تعد المتاحف امتدادًا للمدارس، وتعد التربية المتحفية في المدرسة من الأنشطة الحيوية التي تعمل على تأصيل التراث الثقافي في وعي الطفل الإماراتي ووجدانه، وتمنحه تجربة ربط التراث الثقافي بالعالم الحديث، إضافة إلى حثه على الاكتشاف وتنمية المهارات والثقة والمثابرة في تحصيل المعرفة، والتشجيع على الإبداع والخيال الملائمين للأهداف التربوية والتعليمية.
*د.محمد حسن عبدالحافظ
رئيس قسم الدراسات والبحوث بمركز التراث العربي- الشارقة