نقد

بودي جارد وخطيئة الانتظار

عمرو شاهين

حينما سأل عادل إمام في أحد البرامج حول مصير مسرحيته الأخيرة بودي جارد، كانت الإجابة ليست ممنوعة من العرض والمسرحية تم تصويرها وهي جاهزة للعرض، ولكن المنتج ينتظر العرض المادي المناسب، ليضع بذلك حدا للشائعات التي صاحبت المسرحية حيث تارة إنها ممنوعة من العرض، وتارة لم يتم تصويرها من الأساس، لتتحول المسرحية لما قبل تصريح الزعيم إلى أسطورة وهدف يسعى الكثيرون للوصول إليه.

اليوم 26 فبراير 2021 تم عرض المسرحية عبر منصة شاهد، اليوم بعد 22 عامًا من بدأ عرضها على خشبة المسرح، وبعد 11 عامًا من توقف عرضها مسرحيا، لتقابل المسرحية بسيل من الهجوم الشديد عبر مواقع التواصل الاجتماعي هجوم عنيف لم يقف عند المسرحية فقط، بل امتد إلى عادل إمام نفسه ومنتجه الفني طوال مسيرته، لتبدأ حملة جديدة على عادل إمام مرة أخرى على منصات التواصل الاجتماعي، لكن هل المسرحية سيئة إلى هذه الدرجة؟

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

من ألفريد فرج إلى يوسف معاطي

الحقيقة أن المسرحية هي أضعف ما قدم عادل إمام على خشبة المسرح، خاصة وأن إنتاج الزعيم المسرحي قليل للغاية، فبعد مدرسة المشاغبين لم يقدم الزعيم سوى 4 مسرحيات (شاهد ما شافش حاجة – الواد سيد الشغال – الزعيم – بودي جارد)، وبالفعل تقع بودي جارد في المرتبة الأضعف والأسوأ مقارنة بالمسرحيات الأربعة، ولكن هذا الضعف له سببان أحدهم يخص المسرحية والأخر يتعلق بالجمهور نفسه.

فيما يخص العرض المسرحي لنتأمل جميعا مؤلفي ومخرجي مسرحيات عادل إمام الأربعة، “شاهد ما شافش حاجة” تأليف ألفريد فرج وإعداد مسرحي إبراهيم الدسوقي ومصطفى أبو حطب وإخراج هاني مطاوع وإخراج تلفزيوني محمد فاضل، “الواد سيد الشغال” تأليف سمير عبدالعظيم وإخراج مسرحي وتلفزيوني حسين كمال، “الزعيم” تأليف فاروق صبري وإخراج مسرحي شريف عرفة وإخراج تلفزيوني محمد فاضل، بينما “بودي جارد” تأليف يوسف معاطي وإخراج مسرحي رامي إمام وتلفزيوني أحمد صقر.

يوسف معاطي رامي الإمام يساهمان بنصيب الأسد في ضعف المسرحية، يوسف معاطي الذي تاهت منه المسرحية على الورق بينما استكملت رحلة التوهة على خشبة المسرح بين يدي رامي إمام لنرى أحداثا مفتعلة وغير مصدقة وغير كوميدية ويجاهد الجميع ليخرج منها الكوميديا.

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

يوسف معاطي الذي أقحم بفجاجة دور لأبناء سعد الدين فارس أو ربما قلص أدوارهم بشده فكن ظهورهم ودورهم مجرد علامة استفهام، فلا مبررات للظهور أو دوافع مقبولة لما يقومون به، بل إن عقدة المسرحية من الأساس قائمة على دافع غير منطقي أو مقبول أو واضح.

والاهم انه بالفعل لا يوجد صراع في المسرحية، لا يوجد حدث أو تصاعد او ذروة، المسرحية بلا دراما من الأصل فهي تشبه تلك النصوص التي تصنع على عجالة لسد خانة، ولا ترتقي أبدا لمسرحية تم عرضها لمدة 11 عامًا.

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

تخيل أنك اليوم تقوم بصناعة عمل فني يناقش قضية سرقة القروض، هل سيهتم أحد بتلك القضية والظاهرة التي انتهت تماما وتم حلها، وهذا جزء من ضعف المسرحية، فالمسرحية لا تناقش قضية يمكن التفاعل معها في أي زمن مثل السلطة في الزعيم، أو الصراع الاجتماعي في الواد سيد الشغال أو الطيبة في مواجهة العالم الشرس مثل شاهد ما شافش حاجة.

بل إن مسرحية بودي جارد تناقش قضية زمنية ينتهي التفاعل معها بنهاية حدوثها وهذا ما حدث فلن نتفاعل أبدا مع عرض يناقش قضية القروض، فما بالك بكل تلك السطحية.

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

نوكيا 6600

أيعقل أن خلال تلك الفترة لم يلفت أحدهم نظر المؤلف والمخرج إلى أن هذا العرض بحاجة إلى كتابة من أول وجديد، لم يلفت أحدهم نظر صناع المسرحية، أن المسرحية بلا رأس أو ذيل، ألم يشر أحد عليهم أن رغدة لا تصلح إطلاقا كممثلة مسرح كوميدية، وأن الشخصية التي يقدمها الزعيم تتطلب مرحلة سنية أصغر بكثير من عمر الزعيم وقت وقوفه على خشبة المسرح.

وأن الزعيم لا يمثل أي شخصية بل هو يقدم مجموعة إفيهات مكررة، لم يقل لهم أحد أن ديكور المسرحية سيء للغاية وسطحي ورديء، وأن الموسيقى والأغاني سيئة هي الأخرى، لم يقل لهم أحد على الأطلاق أي ملحوظة على هذا العرض؟ أيعقل؟!

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

ربما كانت المسرحية حينما عرضت على المسرح أفضل من ذلك ولكننا لم نشاهدها على المسرح ولنا فقط تلك النسخة التي تم عرضها عبر الإنترنت، وهنا تأتي المشكلة الأخرى المشكلة التي تتعلق بنا نحن المشاهدين، نحن نشاهد مسرحية تعرض عبر الإنترنت في وقت فيه بطلة المسرحية تحمل تليفون نوكيا 6600 بصفته أحدث جهاز تليفون وقتها، ويلقي الزعيم إفيه على ذلك الهاتف، إفيه أضحك الناس بالصالة وقت إلقاءه ولكنه وصلنا بعد سنوات أصبح فيها النوكيا 6600 مجرد حفرية من حفريات عصر التليفونات الأول.

قديما كان يتم إيقاف عرض المسرحية ليتم توزيعها فيديو ونشاهدها فتكون الإفيهات طازجة ومتماشية مع وضع وأفكار الجيل الذي يشاهدها، بالإضافة إلى المضمون الذي يمكن التفاعل معه في أي وقت ولكن بعد 11 عامًا تغيرنا فيها، أصبحت إفيهات مسرحية بودي جارد تشبه تلك النكتة السخيفة القديمة المعادة، ربما كان سبب الانتظار أن المنتج هنا يريد تحقيق أكبر عائد مادي من بيع المسرحية تلفزيونيا، خاصة أن الزعيم لن يقوى على الوقوف على خشبة المسرحية يوميًا مرة أخرى فهي عمليا أخر مسرحيات الزعيم ولكن هذا الانتظار كان سبب في ضربة موجعة للمسرحية وربما للزعيم نفسه.

امرؤ القيس وسعيد عبدالغني

المدة الزمنية التي استغرقتها المسرحية في الوصول إلينا، شهد فيها العالم وبالأخص الشرق الأوسط كم من التغيرات الكبيرة وغير المتوقعة، وبالأخص مصر، التي تغير فيها كل شيء حتى شكل وتكنيك الكوميديا اختلف كليا في تلك السنوات، 11 عامًا هي مدة كبيرة للغاية، مدة جاء فيها جيل لا يعلم عن عادل إمام سوى مسلسلاته في التلفزيون، جيل لم يأجر شرائط فيديو الواد سيد الشغال أو ينتظرها في العيد، جيل لم ينسخ مسرحية الزعيم على الهارد 40 جيجا ليستمتع بها في المصيف.

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

 جيل نجومه في المسرح هم علي ربيع وأوس أوس بما فهم من افتعال وسخافة، جيل لا يرتبط عاطفيا بأي شيء مما ارتبطنا به، فبالطبع يجب أن يهاجم المسرحية ويمتد لمهاجمة عادل إمام بشكل عام، فقط لأن المنتج انتظر العرض المادي المناسب، ليكون هذا الانتظار هو الخطيئة الكبرى التي تم ارتكابها في حق المسرحية التي على الرغم من ضعفها إن عرضت في وقت توقفها وقبل 2011 لكانت نالت استحسان أكثر من هذا بكثير، ولكنا ضحكنا على بعض الإفيهات.

بشكل شخصي لم استمتع سوى بظهور الراحلين عزت أبو عوف وسعيد عبدالغني، وعدد من الإفيهات لم يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتذكيري بمعلقة أمرؤ القيس التي تبارت رغدة وعادل إمام في ذكر بيتين منها وهما (مكر مفر مقبل مدبر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل) و بيت (له ايطلا ظبي وساقا نعامة وإرخاء سرحان وتقريب تتفل)، وغير ذلك فلم أندم على عدم عرضها طوال السنوات الماضية، بل إنها ستسقط فورا من ذاكرتي لتظل الزعيم أخر مسرحيات الزعيم.

أويما 20 - Uima20 | بودي جارد وخطيئة الانتظار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى