كسور المرايا أم كسور الروح
صفاء الليثي
ما بين متابعة أفلام قديمة وجديدة أمسكت رواية ” كسور المرايا ” وأعدت قراءتها، حين وصلت إلى الفصل المعنون (متلازمة لينون) كانت الصورة قد اتضحت لي تماما لما يرويه الغريب من بلد الهجرة والذي يملأه الحنين إلى العالم القديم، بلاده الأصلية كما يسميها في روايته.
غربته كانت واضحة في (عيد ميلاد بول)، ورغبته في السير وحيدا تحت ضوء القمر المكتمل، وأدركت وحدته. وبالعودة لفصل متلازمة لينون وسرده لكلمات أغنية تخيل ومعها انتشار قميص جيفارا رمزا للطبقة الوسطى في بلد الهجرة ودهشته من مفارقة انتخابهم لليمين بينما مشاعرهم مع (بطل الطبقة العاملة) وتعليقه الهام (هنا تنتهي أحلام اليسار كما تنتهي كل الرومانسيات).
دائما يبدأ الفصل بفكرة ما وينتهي إلى أمر آخر، وكأن تيار وعي المهاجر يقوده بعيدا عن الفكرة المنطلقة من واقعه المعيش كما في الفصل (الصفر ليس سيئا) فحين وصلت إلى الفصل الذي يبدو كفكرة عارضة لنصل إلى مأساة مهاجرين عراقيين فقدوا حاسة السمع ومن ثم القدرة على الحديث بسبب القنابل الأمريكية وقت الغزو، دوره في مساعدة اللاجئين ورفض جسده التأقلم مع ما تحت الصفر، بدا ممزقا بين عالمه القديم وبين دوره الحالي في بلد الهجرة.
لا يمكن وصف أسلوب الكتابة بتدفق تيار الوعي بل الأمر أقرب إلى توازي خطين لا يتقابلان أبدا ولا حتى قرب النهاية. مع تقدمي في القراءة وجدت تعاطفه يمكن تجاوزا أن أضمه مع عالمه القديم، ليسوا مصريين مثله ولكن عربا وخاصة من العراقيين تغيرت أوضاعهم كلية بعد ما حدث للعراق، وجدت غيظه من كنديين في مقابل تعاطفه المكتوم والذي لا يستطيع إظهاره كشرط من شروط عمله- مع المهاجر من العالم القديم. يتحاور ويصرح (لكننا نستطيع أن نحاول.. أن نكون ما نريده، تقريبا رحلة المحاولة هي المتعة) وفي موضع آخر وقد تحولت الكتابة من التلميح إلى التصريح (الوحدة في المجتمعات الغربية نمط حياة… وعلينا أن نعيش بين عالمين).
تأملاته في الحياة وعقد المقارنات بين ثقافته وثقافة منفتح عليها تظهر كنظرة فلسفية لكثير من الأمور (التئام الأرواح بعد مفارقة الحياة وعودتها بتوليف آخر.. تظل الدائرة تتكرر بعدة أشكال وتوليفات روحية حتى تستطيع الروح أن تعبر إلى الأعلى غير المحدود، وهذا هو الانعتاق).
كسور المرايا ترسم عالم مهاجر شاب، هاجر بإرادته وما زال معلقا بوطنه الأم، عكست حالة شروده شبه الدائم وعجز جسده عن التأقلم مع برودة تخطت الجسد إلى نسيج الروح.
الكاتب أحمد غريب له رواية قصيرة بعنوان ” صدمة الضوء عند الخروج من النفق ” نشرت 1998، وعاد ليصدر كسور المرايا عن دار ميريت 2020 بعد عمله في الصحافة في الإمارات غي الفترة من 1998 إلى 2008، ثم انتقل مهاجرا إلى مدينة تورنتو بكندا حيث يعيش مع زوجته وابنته فيها حاليا. كان شارك مجموعة قصصة مع عام 1995 عن دار شرقيات، نالت اهتماما نقديا وإعلاميا كبيرا وسط تحول في المشهد الأدبي بمصر وظهور ما عرف بجيل التسعينيات.
الكاتبة سمر نور عبرت عن انزعاج من توقف مؤقت عن الكتابة وانزعاج أكبر للقراءة ببطء السلحافة على حد قولها… القراءة كما الكتابة لها مواعيد تأتي دون سابق إنذار، كما حدث معي هذه الفترة قراة مكثفة ومراجعة لكتابات قديمة أضعها في ملف معنون “كتابات قديمة هامة”.