رأي

عندما كنا أفلامًا صغيرة 

(إلى شعبة امتحان أفلام الكونغ فو)

محمد اليسوف

ما زال كثيرون يسألوني السؤال ذاته: “متى بدأ حبك للسينما؟ متى بدأ كل شيء؟“. كنتُ أشعر في بعض اللحظات أن هذا السؤال يشبه ما اسمك، وأين ولدت؟ لأن كثيرين لا يروني إلا فيلمًا يخفي حقيقته تحت قبعته.

دائمًا ما أصابتني الحيرة وأنا أبحث عن إجابات عن متى كانت البداية، لكنني كنتُ أستلذ بتلك اللحظات التي أشعر فيها أني فأر محشور في زاوية يحاول أن يجد ألف طريقة للهرب وألف جواب مختلف عن أسئلتكم. فأنتقي إجابات تناسب خيالات محبي التنمية البشرية التواقين دائمًا إلى سماع قصص ملهمة عن كيف يبدأ إنسان من الصفر.

لكن ما هي الحقيقة ؟

حقيقتان أؤمن بهما، الأولى أنني لم أخبركم الحقيقة قط. والثانية أن من يرغب في سماع القصص الملهمة لا يمانعون هم أنفسهم أن تروي لهم الأسرار والفضائح. وقبل أن أخبركم متى بدأ ذلك، لنقطع وعدًا بيني وبينكم أن نترك الأمر سرًا وألا تخبروا الشرطة التي تتربص لي كلما مررت بقربهم.

لنعد سويًا الى سؤال آخر طرحه أحد الأساتذة على طلابه في المدرسة الإعدادية، يبدو أنه وُجِه إليّ إن لم أكن مخطئًا.

– ماذا سوف تصبح عندما تبلغ الثلاثين عامًا؟

– سوف أكبر، بكل تأكيد.

– أيّ مهنة ستختار؟ 

يضحك الجميع متجاوزين إجابتي، إن وُجِدت أساسًا. ولأخفي شخصيتي الخجولة والمضطربة بهالة متصنعة من الغموض رفضتُ الكلام. أليس من الطبيعي للإنسان ألا يرغب في شيء سوى أن يكبر ويتغير شكله قليلًا؟

في مكان ليس بالبعيد عن فمك الذي طرحتَ منه سؤالك، أستاذي، رددتُ سؤالك المفاجئ في داخلي بسؤال آخر، مع أني بقيت صامتًا، لكنكَ سمعته بكل تأكيد. سألتَ الشخص الخاطئ يا أستاذي الكريم، فذلك الصامت كان أول ثلاثينيّ بين طلابك الذين اعتبرتهم جميعًا متفوقين، بل كنتُ مرشدهم في التعرّف على الجنس الآخر والمكلّف باختيار أفلام السكس التي كان يحلم بها كل طلابك.

يتكرر السؤال ذاته دائماً، متى كانت البداية؟ 

كانت البداية عندما كان يجتمع الطلاب أمام مدرسة البنات ليخترعوا قصصهم الخاصة عن عدد البنات اللواتي يتسكعون معهن. بينما كنتُ حينها في زاويتي المفضلة وحيدًا، يرفضون انضمامي إليهم بسبب مظهري القبيح وشعري الأجعد الذي قد يخيف البنات اللواتي نسجوهن في مخيلاتهم، فتتسرب الخيالات واحدة تلو الأخرى كلما لمحتني إحداها. ولأن البشر يصيبهم الملل من الأشياء التي يستمتعون فيها طويلًا ذاتها، ولأن خيالهم لم يعد كافيًا وقتها، سئموا أوهامهم المستهلكة. 

أصبحوا أولئك الصبية رجالًا تنتصب أعضائهم الذكورية ويتبجحون بها، فقرروا بالإجماع مشاهدة الافلام الإباحية. سمع نور عن أحد المحلات التي تبيع أفلام الكونغ فو والأفلام الهندية، هناك أيضًا يبيعون أفلام السكس سرًا. كانت رغبتهم في اكتشاف الجنس الآخر جامحة، لكن خوفهم من الفضيحة تربص بهم فلم يجدوا متطوعًا واحدًا بينهم، لكنهم وجدوا أضحية لهم. كانت أضحيتهم ذلك الشخص الذي يقف وحيدًا في زاويته، وهو نفسه من أوقفته لتطرح عليه سؤالك المعتوه: ماذا سوف تصبح عندما تبلغ الثلاثين عامًا؟

منذ ذلك الوقت، أصبحت زاويتي المفضلة أمام مدرسة البنات فارغة تمامًا. وترقت مرتبتي سريعًا فأصبح عمري ثلاثين عامًا قبل أن تخرج من فمك كلمة “ماذا؟”. منذ ذلك اليوم، استبدل الشباب أكاذيبهم وخيالاتهم بمرشدهم ومنقذهم الذي سوف يغوص معهم في عالم مجهول كثيرًا ما سمعوا عنه.

كانت خطتي تكمن في اختيار فيلم للتمويه مع كل فيلم سكس نشتريه لكي لا ينكشف أمرنا. لم يكن اختيار أفلام السكس صعبًا بالنسبة إليّ، حيث لم أبذل مجهودًا لكي أخبر صاحب المحل أني أرغب في تلك الأفلام. وكانت العناوين المترجمة إلى العربية ملفتة للانتباه ودافعي لأختارها (فتاة المدرسة – المعلمة – الجارة المشاغبة). وعندما كان يسألني الجميع لماذا اخترت الأفلام الإباحية تلك؟ أخبرهم أنني شاهدتُ تلك الأفلام قبل ذلك لعشرات المرات وأنها من أفلامي المفضلة. كما لم يكن اختيار الأفلام العادية صعبًا، فالأفلام القديمة المرمية في نهاية الرف، رف تراكم الغبار عليه، أرخص بكثير من أحدث إصدارات عالم السينما. لكن أحدًا لم يكترث لأسباب اختيار أفلام لن يشاهدها أبدًا.

هكذا بدأت أول عروض السينما الجماعية عند نور، الشخص الوحيد الذي امتلك جهازًا للعرض بين طلاب شعبة امتحان أفلام الكونغ فو، وكانت حجّة جمعتنا موجودة وتبدو محقة، فالامتحانات قد اقتربت والأساتذة طلبوا منّا أن ندرس سويًا لنحسّن علاماتنا.

لم يكن أبوه يرجع إلى البيت قبل حلول المساء، وفي الواقع، لا أذكر أنه قد عاد يومًا أو أن الليل لم يحلّ مطلقًا. وفي البيت، كانت أخته الصغيرة نائمة على الدوام، أما والدته فكانت الأفضل في تحضير الحلويات السيئة، فكانت تحضرها ثم تمضي خارجةً، وكلها طمأنينة أن ابنها من الأوائل. 

بدأت حفلتنا، رحنا ندرس بهدوء صفحة تلو الأخرى. كان نور قد أخبر والدته أنه الأفضل وكان يخبرنا كيفية حلّ مسألة الرياضيات العالقة. لكن لا، أيتها المرأة، سوف أخبرك بأننا كنا ندرس الأسئلة التي أعطاها لنا محل أفلام الكونغ فو، وتلك المادة أنا الذي أدخلها إلى الشعبة وليس ابنك الصغير. كانت الأسئلة تبدو مستعصية تمامًا، وكأنها كانت المرة الأولى التي تمرّ أمام أعيننا صورة أنثى، وكأنها أبجدية جديدة نتعلمها ونحاول أن ننطق حروفها. رغم مشاهدتي لهذا الفيلم عشرات المرات كذبًا، كما أخبرتهم سابقًا، كانت التغييرات عليّ أقوى بكثير، ربما لأن عطر والدة نور ما زال عالقًا على أريكتها بعد رحيلها بوقت طويل. وبدأنا نكتشف أن خيالاتنا عما كانت تخفيه تلك الثياب كانت مشوّهة تمامًا. فلعلنا جميعًا اعتقدنًا سرًا أنهن يمتلكن أعضاءً ذكورية، لكنها أصغر حجمًا. فألزمنا ذهولنا حالة صمت مريبة، وكانت تلك الصور تتحرك بسرعة على الشاشة، وكنتُ واثقًا أن الفيلم هو الذي يرانا لوحة ثابتة لشبان أموات بأفواه مفتوحة. 

أحد الأصدقاء، واسمه أيمن، لم يكمل الفيلم، ورحل غاضبًا من دون أن يقول أيّ كلمة، ولم يكترث أحد حينها لسبب خروجه. فهو الذي كان يخبر الجميع من قبل عن إعجابه بإحدى فتيات المدرسة، ولعل فيلمنا الأول، فتاة المدرسة، حرك مشاعره وصدمه. كان يقول لنا إنها لا تحمل سندويشة زيت وزعتر في حقيبتها كما الجميع، بل تحمل شطائر كما في الأفلام الأجنبية. وها هي هنا في فيلمها، تأكل الشطائر على نحوٍ مغاير تمامًا لما تخيله، بل تحمل في حقيبتها هموم من في اللوحة الثابتة أمام شاشة التلفاز. وبدا أننا سوف نرسب مبكرًا في امتحان مادة أفلام الكونغ فو، وكان أيمن أولنا بكل تأكيد، ذلك العاشق المسكين.

مع استيقاظ الأخت الصغيرة لـنور للمرة الألف واقتراب عودة والدته إلى المنزل، وعودة والده الذي لن يأتي حتمًا. أقنعت الجميع بتشغيل الفيلم التمويهي تجنبًا لأيّ مفاجئات طارئة ، وبخلاف فيلم فتاة المدرسة لم يحتو الفيلم على إناث قط، وإنما رجال يرتدون القبعات. لا أذكر اسم الفيلم، ولكني أذكر أن كل من في هذا الفيلم يسرق ويقتل، وكل من في خارجه يغطون في نوم عميق. كان الرجال أصحاب القبعات والبدلات السوداء يخططون لسرقة كل شيء في المدينة. نظرتُ حولي في مدينة نور، ولم أجد شيئًا أسرقه إلا القليل من الحلويات السيئة التي لم يقربها أحد، فدسستها في جيبي. كانت تلك أول جريمة متكاملة قمت بها، لم يلق أحد القبض عليّ، وشعرت حينها أنني ولدت من جديد. سوف أصبح الآن لصًا يرتدي القبعات، أسرق كل شيء، وإن لم أجد شيئًا أسرقه، سوف أسرق منزلي.

مرت الأيام، ومر ما تبقى من مُقرر محل أفلام الكونغ فو بسلاسة أكبر. واتسع إدراكنا لأكثر الاشياء التي كنا نستصعبها، ما عدا واحد منّا وهو أيمن الذي لم يدرس جيدًا. فظل يخرج من منتصف الفيلم، قبل أن يبدأ الفيلم التمويهي. وكان يخبر الجميع أنه يمقت كل اختياراتي التي تشعره بملل شديد. ولأنني أصبحتُ لصًا منذ اليوم الأول، نبشت في مخيلته لأعرف أن وراء تلك الكذبة الصورة التي رسمها لفتاة المدرسة في ذهنه، فأصبحت هي في أول يوم لها عاهرة أيضًا، من دون الحاجة لأن تكون بيننا، وأن من يعرف الحقيقة هو صاحب محل الأفلام وأصدقائه أصحاب الأفواه المفتوحة والرجل الذي يعبث بحقيبتها الخلفية في الفيلم. 

لربما خطرت في باله فكرة أن يقتلنا جميعًا، لكن خوفه جعله يغير خطته سريعًا من القتل الى الانتظار. وها هو ينتظر أمام مدرستها كل يوم لكي تعود إلى المنزل. كان ينتظر كانتظار نور لوالده أن يعود مساءً، لكن والد فتاة المدرسة لم يكن كوالده، فكان يظهر في النهار ليعود معها كل يوم. لا يمكن أن تجعل تلك الصورة شخصًا ينتظر إلى الأبد حتى ينسى أنه ينتظر، لذلك بدأ في البحث عن شبيهة لها. عند أيمن خطط بديلة دائمًا، فوجد الشبيه الذي لم يكن إلا شقيقها الصغير، ومن بين آلاف البنات وقع خياره على أخيها الذي يصغرنا بعام.

لم يخبر أيمن أحدًا بموعد خطته، فقرر أن يذهب سرًا إلى الامتحان، ولا يهم إن رسب أم نجح، المهم أنه أول من دخل إلى قاعة الامتحان. كانت القاعة في حمامات المدرسة حيث حشر شقيقها الصغير، لم نسمع صوت صراخه فالحديث في قاعات الامتحان ممنوع، وإن صرخ ما الغريب من صراخ طفل في مدرسة؟ فالأساتذة كانوا يستنفرون في حالة الصمت المريب، لا الضجيج. حلّ الصمت في شعبتنا وقتئذ، عندما علمنا أنه فُصِل لأسبوع واحد فقط! وبعدها عاد إلى طبيعته وكأن شيئًا لم يكن. أما شقيقها الصغير لم أذكر أنه عاد إلى حياته كما كانت، قبل أن ينبش أيمن في حقيبته الخلفية باحثًا عن شطائر أخته.

كنتُ أنا الرجل الثلاثينيّ الثاني الذي قررت أن أتقدم إلى امتحان محل أفلام الكونغ فو مبكرًا. فأقنعت نور أن فيلم رجال القبعات ما هو إلا حقيقة، وأن السينما هي انعكاس لحقيقة أسهل بكثير. فما أكثر المحلات التي يمكن سرقتها في هذه المدينة بكل يسر، لكنها لم تكن بسهولة سرقة قطع الحلوى السيئة التي أصابها العفن في جيبي. لذا غيرتُ خططي سريعًا، كنت أنا مثل أيمن أجد الحل البديل على الفور. فقررت أن تكون قاعة الامتحان هنا في المتحف الذي لن يراقبه سوى حارس وحيد، ندخل ونسرق ونضع كل المسروقات في حقيبة نور، ثم نهرب من الباب. ولا يهم ما سيحدث بعدها، لأن الفيلم سينتهي حالما نرحل بعيدًا. وبدت خطتي مقنعة بالنسبة إلى نور أكثر مني شخصيًا.

اخترنا يومًا ماطرًا من أيام تشرين الثاني، لعل صوت المطر يخفي قليلًا صوت نور القبيح، أو لعله يخفي خوفنا الذي لم نعترف به أبدًا. هربنا من المدرسة حسب المخطط، كانت الأمطار الغزيرة تسللت الى ملابسنا الداخلية أو لعلنا تبولنا خائفين من دون أن نعترف بالحقيقة. على الرغم من ذلك، كان من المستحيل أن تعود خطواتنا خلفًا، فكل ما كان في المتحف كان في انتظارنا، بما فيه من أحجار وشجر وكاميرات سينمائية مخبأة بين الغصون. ومخرج الفيلم الذي يلعب دور حارس المتحف قد يغير سردية فيلمه بمفاجأة لجمهوره، فأجبرنا على قطع بطاقتين لدخول المتحف بسعر عشرين ليرة سورية هي كل ما تبقى في جيوبنا.

اختلط عرق الخوف بالأمطار التي غطت وجوهنا، فتخيلت أن الخوف ما هو إلا تمثال سوف ينقض علينا متوحشًا ويضع الأصفاد بيديّ وحدي، لأن نور الجبان سوف يهرول مسرعًا بعد أن يرمي العصا التي سوف يكسر بها الزجاج، فيتركني وحيًدا مع عصا وتمثال ومخرج يقول في النهاية: انتهى التصوير. لكن نور لم يخيّب ظني، ولم يعر انتباهًا لمخاوفي ولملابسي الداخلية المبللة. 

 اخترنا آخر باب لنبدأ به سرقتنا التي سوف تتحدث عنها الصحف والمجلات وبرنامج “جرائم بدون حل”. أنا أخاف من الأبواب المغلقة، لكننا لم نشاهد هنا إلا الأبواب المفتوحة. فجرفت تلك الأمطار خوفي الى الأبد. لم نشاهد بابًا مقفلًا ولا الزجاج الذي كان نور سوف يكسره ولا الآثار التي سوف يضعها في حقيبته، ولا أذكر أيضًا أنني رأيت الحقيبة. نجح مخرج فيلم المتحف في سرقتنا وفي امتحانه، أما نحن فعدنا خالين الوفاض إلا من طين كثير علق بأحذيتنا الرخيصة. 

في مشهد آخر لم يحذفه المخرج، اكتشفت والدة نور أن والده يفعل ما نراه دائمًا في أفلامنا سرًا، صباحًا ومساءً، وأن عودته في آخر الليل كانت بسبب توقف جهاز العرض عن العمل. لقد أوجع بكاء والدته ضمير ابنها الجبان، لذلك كاد يخبرها الحقيقة بأنه ليس من الطلاب الأوائل وأن مسألة الرياضيات التي كان يحلّها لنا، لم تكن إلا ملابس داخلية رآها مرة واحدة قبل ذلك في خزانتها التي لم تحكم إغلاقها جيدًا. وجعلنا نشاهد تلك الملابس جميعا مكافأة منه لنا على الصحبة الطيبة، وها هو الآن سوف يفسد تلك الصحبة الطيبة بإخبارها الحقيقة.

 يا لك من خائن جبان! كيف للخونة أن تصبح أعمارهم ثلاثين عامًا!  

لا يهم يا نور سوف تعلم أمك الحقيقة قبل أن تخبرها عندما تفتح حقيبتك المدرسية لتضع حلوياتها فتجد ملابسها الداخلية مخبأة في كتاب الرياضيات. اكتُشِفت أسرار شعبة امتحانات أفلام الكونغ فو وأعمالها الشنيعة في تهريب الأسئلة من رف الأفلام المغبر إلى حمامات المدرسة، لم نعلم من هو الخائن الذي أخبر الأساتذة بالحقيقة، فبقي مجهولًا بيننا إلى اليوم. جمعنا مدير المدرسة في الباحة، ولم نكن نرتدي قبعات أفلام السرقة، كانت آلاف الكاميرات على شكل عيون فضولية، لم تشارك في أفلامنا أبدًا، تتلصص علينا من الشبابيك وتصدر موسيقى تصويرية على شكل صفير. وكانت الصفعة الأولى على وجهي أقوى من تهشم الزجاج الذي لم يكسره نور. خفتُ أن يدخل أحد إلى المشهد فجأة، فيعيد المخرج تصويره من البداية. وقبل الكف الثاني أخبرته بالحقيقة يا نور، تلك الحقيقة التي لم تخبر بها والدتك. أنا لم أمارس الجنس أبدًا، أنا لا آكل الشطائر، أنا لم أنبش حقيبة أحد، أنا مجرد لص أحيا الأفلام فحسب. 

شعر كل من شاهد هذا المشهد أنه مرّ سريعًا، أما أنا فشعرت أنه طال إلى الأبد. توقفت الكاميرات عن العمل، ومُنعنا من تقديم الامتحان الفصليّ. نجحنا في أن نبلغ ثلاثين عامًا باكرًا، أليست هذه أفضل نتيجة للرسوب؟ لكن المصيبة الأكبر أن محل أفلام الكونغ فو قد أغلق أبوابه، وأفلامنا التي خزنّا بها ذكرياتنا الطيبة والمؤلمة، أصبحت في كراتين لم أعرف إلى أين تتجه.

كبرت تلك الأفلام وأصبح إيجادها على مواقع الانترنت أسهل كثيرًا، بعد أن أُغلقت محلات الأفلام. وهكذا كبرنا سريعًا كما كبرت تلك الأفلام، لكن إيجادنا أصبح أكثر صعوبة، مع أننا متوفرين بشكل مجاني ونشيطين في جميع مواقع التواصل وفي ذاكرتي المشوشة أيضًا.

أقف الآن أمام مدرستي التي أغلقت أبوابها منذ زمن طويل، هل ما زالت ذكرياتنا ورسوماتنا الإباحية عالقة على الجدران أم أن كل شيء قد تبخر وأصبحت كتلك الأفلام قابعة في مستنقع الكراتين. لعلّ تلك الذكريات العالقة في ذهني لم تكن إلا فيلمًا لم أكمله في ساعات الصباح الاولى، أو كانت أكاذيبًا ألفتها في لحظة ملل عصيبة. وفي ذلك المكان الذي ألف خطواتي، أدركت أن نقطة بداية كل ما عشناه إلى يومنا هذا، لم يكون سوى تلك اللحظات المغبرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى